فقال له ابن المعلم: أما ما ذكرت من هذا الحديث فإنما هو صدقة نصب على الحال فيقتضي ذلك أن ما تركه النبي- صلى الله عليه وسلم- علي وجه الصّدقة لا يورث عنه، ونحن لا نمنع هذا وإنما نمنع ذلك فيما تركه على غير الوجه، واعتمد هذه النكتة الغريبة لمّا عرف أنّ ابن شاذان لا يعرف هذا الشّأن ولا يفرق بين الحال وغيرها، فلما عاد الكلام إلى ابن شاذان، قال له: ما ادعيت من
قوله- صلى الله عليه وسلم- «لا نورث ما تركنا صدقة»
إنّما هو صدقة منصوبة على الحال، وأنت لا تمنع هذا الحكم فيما تركه الأنبياء- صلوات الله عليهم- على هذا الوجه فأنا لا نعلم فرقا بين قوله «ما تركنا صدقة» بالنّصب وبين قوله «ما تركنا صدقة» بالرفع ولا أحتاج في هذه المسألة إلى معرفة ذلك فإنه لا شكّ عندي وعندك أن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- من أفصح العرب ومن أعلمهم بالفرق بين قوله:«ما تركنا صدقة» بالنصب و «ما تركنا صدقة» بالرفع، وكذلك العباس بن عبد المطّلب وهو ممن كان يستحق الميراث لو كان موروثا وكان علي بن أبي طالب من أفصح قريش وأعلمهم بذلك وقد طلبت فاطمة ميراث أبيها، فأجابها أبو بكر الصديق بهذا اللّفظ على وجه ففهمت منه أنه لا شيء لها، فانصرفت عن الطّلب، وفهم ذلك العباس وكذلك عليّ وسائر الصحابة ولم يعترض أحد منهم لهذا الاعتراض، وكذلك أبو بكر الصديق المحتجّ به والمتعلّق به، لا خلاف أنه من فصحاء العرب العالمين بذلك لم يورد من هذا اللفظ إلا بما يقتضي المنع، ولو كان اللفظ لا يقتضي المنع لما أورده ولا يتعرق به فإما أن يكون بالنصب يقتضي ما يقوله فادّعاؤك فيما قلت باطل وإما أن يكون الرفع هو الذي يقتضيه فهو المروي وادعاء النّصب فيه باطل.
الثاني: ذكر ابن إسحاق في قصّة تبوك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أعطى أهل أيلة برده مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم وهي التي كانت عند الخلفاء اشتراها أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار فهي عندهم.