قال العتبيّ: فرقدتّ فرأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- في النّوم، وهو: - يقول: الحق الأعرابيّ وبشّره بأن الله: غفر له بشفاعتي فاستيقظت فخرجت أطلبه فلم أجده [ (١) ] .
ورويت هذه القصّة من غير طريق العتبي رواه ابن عساكر في «تاريخه» وابن الجوزي في «الوفاء» عن محمد بن حرب الهلالي وقد خمس هذه الأبيات جماعة منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد الأقفسهي.
وروى الحافظ ابن النّعمان في «مصباح الظّلام في المستغيثين بخير الأنام» من طريق الحافظ ابن السمعانيّ بسنده عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: قدم علينا أعرابيّ بعد ما دفنّا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أيام فرمى نفسه على القبر الشريف، وحثا من ترابه على رأسه وقال: يا رسول الله، قلت فسمعنا قولك، ووعيت عن الله تعالى، ووعينا عنك وكان فيما أنزل عليك:
وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء: ٦٤] وقد ظلمت نفسي، وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر: إنّه قد غفر لك.
والآية دالّة على الحثّ على المجيء إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- والاستغفار عنده واستغفاره لهم، وهذه رتبة لا تنقطع بموته- صلى الله عليه وسلم- والعلماء- رضي الله تعالى عنهم- فهموا من الآية العموم، بحالتي الموت والحياة واستحبوا لمن أتى القبر الشريف أن يتلوها ويستغفر الله تعالى.
وأما السّنّة فما ذكر في الكتب وما ثبت من خروج النبي- صلى الله عليه وسلم- من المدينة لزيارة قبر الشهداء، وإذا ثبت أن الزيارة قربة فالسفر كذلك، وإذا جاز الخروج للقريب جاز للبعيد، وحينئذ فقبره- صلى الله عليه وسلم- أولى، وقد وقع الإجماع على ذلك لإطباق السلف والخلف.
قال القاضي عياض- رحمه الله تعالى-: زيارة قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- سنة بين المسلمين ومجمع عليها وفضيلة مرغب فيها وأجمع العلماء على زيارة القبور للرّجال والنّساء كما حكاه النووي- رحمه الله تعالى- بل قال بعض الظاهرية بوجوبه، واختلفوا في النساء وقد امتاز القبر الشريف بالأدلة الخاصّة به كما سبق.
قال السّبكيّ: ولهذا أقول: لا فرق بين الرّجال والنّساء.
وأما القياس فعلى ما ثبت من زيارته- صلّى الله عليه وسلّم- لأهل البقيع وشهداء أحد، وإذا استحب زيارة قبر غيره فقبره أولى، لما له من الحقّ ووجوب التعظيم، وليست زيارته إلا لتعظيمه والتبرك