يقصده الشيطان فإن الشيطان يجيء الصدر الذي هو حصن القلب فإذا وجد مسلكا أغار عليه فيضيق القلب ولا يجد للطاعة لذة ولا للإسلام حلاوة فإذا طرد العدو في الابتداء حصل الأمن وزال الضيق وانشرح الصدر وتيسر له القيام بأداء العبودية.
الأستاذ أبو علي الدقاق رحمه اللَّه تعالى: كان موسى صلى الله عليه وسلم مريدا إذ قال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وكان نبينا صلى الله عليه وسلم مرادا إذ قيل له أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ الإمام الرازي رحمه اللَّه تعالى: وإنما لم يقل: ألم نشرح صدرك دون «لك» لوجهين:
أحدهما: أراد شرحته لأجلك كما تفعل أنت الطاعة لأجلي. الثاني: أن فيه تنبيها على أن منافع الرسالة عائدة إليه عليه الصلاة والسلام، كأنه قيل إنما شرحنا لك صدرك لأجلك لا لأجلي.
وإنما قال «نشرح» بنون العظمة لأن عظمة المنعم تدل على عظمة النعمة، وكان صلى الله عليه وسلم يضيق صدره من منازعة الجن والإنس فآتاه اللَّه تعالى من آياته ما اتسع لكل ما حمله صلى الله عليه وسلم.
واختلف المفسرون في معنى الآية على أقوال: فقال الإمام البيضاوي رحمه اللَّه تعالى:
ألف نفسحه حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق وكان غائبا حاضرا أو: ألم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم وأزلنا عنه ضيق الجهل. أو: بما يسرناه لك من تلقي الوحي بعد ما كان يشق عليك.
وقيل: إنه إشارة إلى ما روي أن جبريل أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في صباه أو يوم أخذ الميثاق فاستخرج قلبه فغسله فملأه إيمانا وعلما ولعله إشارة إلى نحو ما سبق انتهى.
قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى في حواشيه: إن أراد بقوله «يوم الميثاق» يوم أخذه في عالم الذر فلا أصل له. وإن أراد به يوم بعث ونبئ. وبيض الشيخ هنا. قلت: وكأنه أراد: فله أصل.
كما سيأتي في المرة الثالثة.
ولا منافاة بين هذه الأقوال السابقة وبين شق صدره صلى الله عليه وسلم فإن من جملة شرح صدره شقه وإخراج ما فيه من أذى كما أشار إلى ذلك الحافظان أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وابن كثير رحمهما اللَّه تعالى.
وقد تكرر شق صدره الشريف صلى الله عليه وسلم أربع مرات:
الأولى: وهو صلى الله عليه وسلم صغير في بني سعد.
روى البيهقي عن إبراهيم بن طهمان- بفتح الطاء المهملة رحمه اللَّه تعالى: قال:
سألت سعدا عن قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ فحدثني به عن قتادة عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه قال: شق بطنه صلى الله عليه وسلم من عند صدره إلى أسفل بطنه فاستخرج قلبه الخ.