للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني عشر: قال السهيلي: خص الذهب لكونه مناسبا للمعنى الذي أريد به فإن نظرت إلى لفظ الذهب فمطابق للذهاب، فإن اللَّه تعالى أراد أن يذهب عنه الرجس ويطهره تطهيرا وإن نظرت إلى معنى الذهب وأوصافه وجدته أنقى شيء وأصفاه يقال في المثل: «أنقى من الذهب» وقالت بريرة في عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: ما أعلم عليها إلا ما يعلم الصائغ على الذهب الأحمر. وقال حذيفة رضي اللَّه تعالى عنه في صلة- بكسر الصاد المهملة- ابن أشيم- بالشين المعجمة- وزن أعلم: إنما قلبه ذهب. وقال جرير بن حازم رحمه اللَّه تعالى، وهو بالحاء المهملة والزاي، في الخليل بن أحمد: إنه لرجل من ذهب. يريد النقاء من العيوب.

فقد طابق طست الذهب ما أريد بالنبي صلى الله عليه وسلم من نقاء قلبه.

ومن أوصاف الذهب أيضاً المطابقة لهذا المقام: ثقله ورسوبه فإنه يجعل في الزئبق الذي هو أثقل الأشياء فيرسب. واللَّه سبحانه وتعالى يقول: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل ٥] وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه: إنما ثقلت موازين المحقين يوم القيامة لإتباعهم الحق وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا. وقال في أهل الباطل بعكس ذلك.

وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أنزل عليه الوحي وهو على ناقته فثقل عليها حتى ساخت قوائمها في الأرض. فقد طابقت الصفة المعقولة الصفة المحسوسة.

ومن أوصاف الذهب أيضاً: أنه لا تأكله النار، وكذلك القرآن لا تأكل النار يوم القيامة قلبا وعاه ولا بدنا عمل به. قال عليه الصلاة والسلام: «لو كان القرآن في إهاب ثم طرح في النار ما احترق [ (١) ] » .

ومن أوصاف الذهب المناسبة لأوصاف القرآن والوحي: أن الأرض لا تبليه وأن الهواء لا يذريه وكذلك القرآن لا يخلق على كثرة الرد ولا يستطاع تغييره ولا تبديله.

ومن أوصافه أيضاً: نفاسته وعزته عند الناس. وكذلك القرآن والحق عزيزان، قال تعالى:

وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ [فصلت ٤١.]

فهذا إذا نظرت إلى أوصافه ولفظه فإن نظرت إلى ذاته وظاهره فإنه زخرف الدنيا وزينتها، وقد فتح بالقرآن والوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وأمته خزائن الملوك وتصيير ذلك إلى أيديهم


[ (١) ] أخرجه أحمد في المسند ٤/ ١٥٥ والطبراني في الكبير ٦/ ٢١٢ وابن عدي في الكامل ١/ ٤٦ والعقيلي في الضعفاء ٢/ ٢٩٥ وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٧/ ١٦١ وعزاه لأحمد وأبو يعلى والطبراني وقال: فيه ابن لهيعة وفيه خلاف وفسره بعض رواة أبي يعلى بأن من جمع القرآن ثم دخل النار فهو شر من الخنزير.