للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخاطب العرب [ (١) ] على اختلاف شعوبهم وقبائلهم وتباين بطونهم وأفخاذهم وفصائلهم يخاطب كلا منهم بما يفهمون ويحادثهم بما يعلمونه، ولذلك قال صدق اللَّه تعالى

قوله: «أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم»

[ (٢) ] . فكأن اللَّه تعالى قد أعلمه ما لم يكن يعلمه غيره من بين أبيه وجمع فيه ما تفرق ولم يوجد في قاصي العرب ودانيه، وكان أصحابه رضي اللَّه تعالى عنهم ومن يفد إليه من العرب يعرفون أكثر ما يقوله وما جهلوه يسألونه عنه فيوضحه لهم.

قلت: قوله: «ولذلك

قال: أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم» .

رواه الحسن بن سفيان في مسنده بسند ضعيف وله طرق تقويه.

وقال القاضي أبو الفضل عياض رحمه اللَّه تعالى: وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى اللَّه عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل والموضع الذي لا يجهل، سلاسة طبع وبراعة منزع وإيجاز مقطع ونصاعة لفظ وجزالة قول وصحة معان وقلة تكلف، أوتي صلى اللَّه عليه وسلم جوامع الكلم وخص ببدائع الحكم وعلم ألسنة العرب، يخاطب كل أمة بلسانها ويحاورها بلغتها ويباريها في منزع بلاغتها، حتى كان كثير من أصحابه صلى اللَّه عليه وسلم يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله، من تأمل حديثه وسيره على ذلك وتحققه.

ففصاحة لسانه صلى اللَّه عليه وسلم غاية لا يدرك مداها ومنزلة لا يداني منتهاها وكيف لا يكون ذلك وقد جعل اللَّه تعالى لسانه سيفا من سيوفه يبين عنه مراده ويدعو إليه عباده، فهو ينطق بحكمة عن أمره، ويبين عن مراده بحقيقة ذكره، أفصح خلق اللَّه إذا لفظ وأنصحهم إذا وعظ، لا يقول هجرا ولا ينطق هذرا، كلامه كله يثمر علما ويمتثل شرعا وحكما لا يتفوه بشر بكلام أحكم منه في مقالته ولا أجزل منه في عذوبته، وخليق بمن عبر عن مراد اللَّه بلسانه وأقام الحجة على عباده ببيانه، وبين مواضع فروضه وأوامره ونواهيه وزواجره، أن يكون أحكم الخلق تبيانا وأفصحهم لسانا وأوضحهم بيانا، وبالجملة فلا يحتاج العلم بفصاحته إلى شاهد ولا ينكرها موافق ولا معاند.

قال القاضي رحمه اللَّه تعالى: أما كلامه المعتاد وفصاحته المعلومة وجوامع حكمه


[ () ] لا يعرف له إسناد ثابت لكن قال في الدرر صححه أبو الفضل بن ناصر، وقال في اللآلئ: معناه صحيح لكن لم يأت من طريق صحيح، وذكره ابن الجوزي في الأحاديث الواهية فقال: لا يصح ففي إسناده ضعفاء لا مجاهيل.
والحديث أخرجه الفتني في تذكرة الموضوعات (٨٧) وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (٣١٨٩٥) .
[ (١) ] في أ: يخاطب ألوفا.
[ (٢) ] ذكره العجلوني في كشف الخفا وعزاه لأبي الحسن التيمي.