للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رواه الطبراني في الصغير والخطابي في غريبه.

قال القاضي رحمه اللَّه تعالى: وأين هذه الألفاظ من كتابه صلى اللَّه عليه وسلم في الصدقة لأنس المشهور، فإنه بمحل من جزالة ألفاظ مألوفة وسلاسة تراكيب مأنوسة، وذلك بمحل من غلاقة ألفاظ غريبة وقلالة أساليب في النطق عسرة، لأنه لما كان كلام هؤلاء على هذا الحد أي غريبا غير مألوف وكانت بلاغتهم على هذا النمط وحشيا غير مأنوس، وكان أكثر استعمالهم هذه الألفاظ التي ليست بمألوفة ولا مأنوسة، استعملها معهم ليبين للناس ما نزل إليهم وليحدث الناس بما يعلمون ليفهموه.

وقد كان من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلم إن يكلم كل ذي لغة بلغته على اختلاف لغة العرب وتركيب ألفاظها وأساليب كلمها، وكان أحدهم لا يجاوز لغته وإن سمع لغة غيره فكالعجمية يسمعها العربي وما ذلك منه صلى اللَّه عليه وسلم إلا بقوة إلهية وموهبة ربانية، لأنه صلى اللَّه عليه وسلم بعث إلى الكافة طرّا وإلى الخليقة سودا وحمرا، ولا يوجد متكلم بغير لغته إلا قاصرا في تلك الترجمة نازلا عن صاحب الأصالة في تلك، إلا هو صلى اللَّه عليه وسلم، فإنه كان إذا تكلم في كل لغة من لغة العرب كان أفصح وأنصع بلغاتها منا بلغة نفسها وجدير به ذلك، فإنه صلى اللَّه عليه وسلم قد أوتي جميع القوى البشرية المحمودة ومزية على الناس بأشياء كثيرة،

كقوله صلى اللَّه عليه وسلم، في حديث عطية السعدي رضي اللَّه تعالى عنه قال: قدمت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلما رآني قال: «ما أغناك اللَّه فلا تسأل الناس فإن اليد العليا خير هي المنطية واليد السفلى هي المنطاة وإن مال اللَّه مسؤول ومنطى» [ (١) ] . قال:

فكلمنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بلغتنا.

رواه الحاكم وصححه البيهقي.

وقوله صلى اللَّه عليه وسلم لكعب بن عاصم الأشعري [ (٢) ] رضي اللَّه تعالى عنه: «ليس من ام برّ ام صيام في أم سفر» .

رواه عبد الرزاق والحميدي، وابن القاسم البغوي.

أي ليس من البر الصيام في السفر، وهذه لغة صحيحة وأكثر ما يتكلم بها الأشعريون وهي في الغالب يمنية والأشعريون من اليمن، وإنما تكلم بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رغبة في البيان وحسن التعلم والإفهام لهم بلغتهم.

وقوله في حديث العامري حين سأله فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «سل عنك» [ (٣) ] .

رواه أبو نعيم عن شداد بن أوس رضي اللَّه تعالى عنه.


[ (١) ] أخرجه الحاكم في المستدرك ٤/ ٣٢٧ وذكره السيوطي في الدر ١/ ٣٥٩.
[ (٢) ] كعب بن عاصم الأشعري، يكنى أبا مالك، صحابي نزل الشام ومصر وله حديثان. [التقريب ٢/ ١٣٤] .
[ (٣) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (٣٥٥٩) .