وقد سمعته العرب وتوقف عن الإيمان به أكثرهم، أنزل اللَّه سبحانه وتعالى سورة الجن إثر سورة نوح تبكيتا لقريش والعرب في كونهم تباطأوا عن الإيمان، إذ كانت الجن خيرا منهم وأقبل إلى الإيمان، هذا وهم من غير جنس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فعند ما سمعوا القران استعظموه وآمنوا به للوقت وعرفوا كونه معجزا، وهم مع ذلك مكذبون له ولمن جاء به بغيا وحسدا أن ينزل اللَّه من فضله على من يشاء من عباده.
وروى الإمام أحمد والبيهقي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إن الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء فيستمعون الكلمة من الوحي فيهبطون إلى الأرض فيزيدون فلم يزالوا كذلك حتى بعث اللَّه تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم فمنعوا تلك المقاعد، فذكروا ذلك لإبليس فقال:
لقد حدث في الأرض حدث، فبعثهم فوجدوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتلوا القرآن قالوا: هذا واللَّه الحدث. وإنهم ليرمون فإذا توارى النجم عنكم فقد أدركه لا يخطئ أبدا ولكنه لا يقتله، يحرق جنبه وجهة يده.
وروى ابن سعد والبيهقي وأبو نعيم من وجه آخر عن سعيد عنه قال: كان لكل قبيل من الجن مقعد من السماء يستمعون منه الوحي فيخبرون به الكهنة فلما بعث اللَّه تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم دحروا منه، فقالت العرب حين لم تخبرهم الجن: هلك أهل السماء. فجعل صاحب الإبل ينحر كل يوم بعيرا وصاحب البقر ينحر كل يوم بقرة وصاحب الغنم ينحر كل يوم شاة، وقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدث فأتوني من تربة كل أرض. فأتوه بها فجعل يشمها فلما شم تربة مكة قال: من هاهنا الحدث فنصتوا فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد بعث.
وروى البيهقي من طريق العوفي عنه قال: لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكان يقعدون منها مقاعد للسمع، فلما بعث اللَّه تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم حدست السماء حرسا شديدا ورجمت الشياطين.
وروى محمد بن عمر الأسلمي وأبو نعيم عن ابن عمرو قال: لما كان اليوم الذي تنبأ فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منعت الشياطين من خبر السماء ورموا بالشهب فذكروا ذلك لإبليس فقال: بعث نبي عليكم بالأرض المقدسة. فذهبوا ثم رجعوا فقالوا: ليس بها أحد. فخرج إبليس يطلبه بمكة فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحراء منحدرا معه جبريل فرجع إلى أصحابه فقال: قد بعث أحمد ومعه جبريل.
وروى أيضا عن أبي بن كعب رضي اللَّه تعالى عنه قال: لم يرم بنجم منذ رفع عيسى حتى تنبأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رمى بها، فلما رأت قريش أمرا لم تكن تراه فجعلوا يسيبون أنعامهم ويعتقون أرقاءهم يظنون أنه الفناء وفعلت ثقيف مثل ذلك، فبلغ عبد ياليل فقال: لا تعجلوا