وهذا ظاهر كلام الشقراطيسي فإنه لما جعل ثواقب الشهب رامية بالشعل دل على أن الشهب عنده هي النجوم المرصدة لذلك. ثم قال: والمصابيح هي النجوم التي جعلها اللَّه تعالى راجمة للشياطين بالشهب، لأن النجوم تنقض بأنفسها خلف الشياطين. ثم نقل كلام الحليميّ ثم قال: لا خفاء أنه قد جاء الرمي بالنجوم مصرحا في الأحاديث وفي شعر العرب القديم. ففي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: أخبرني رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار قالوا: بينما هم جلوس مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رمي بنجم فاستنار [ (١) ] . الحديث.
وذكر عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن الزهري أنه سئل عن هذا الرمي بالنجوم أكان في الجاهلية قال: نعم ولكنه إذا جاء الإسلام غلّظ وشدّد.
ثم ذكر أبو شامة شاهدين من كلام العرب القدماء ثم قال: ففي الجمع بين هذين وما تقدم وجهان: أحدهما أن هذا جاء على حذف المضاف للعلم به وتقديره: رمي بنار نجم وانقض انقضاض نار الكواكب وهي الشعل المعبر عنها بالشهب. فقد أخبر اللَّه تعالى في كتابه أن الذي يتبع مسترق السمع شِهابٌ مُبِينٌ [الحجر ١٨] وقال في موضع آخر:
شِهابٌ ثاقِبٌ [الصافات ١٠] والشهاب عبارة عن شعلة نار وبها يحصل إحراق الجنِّي.
الوجه الثاني: أن يكونوا أطلقوا لفظ النجوم على الشهب تجوزا، كما أطلقوا لفظ الشهب على النجوم لملابسة كل واحد منهما الآخر على ما قدرناه من أن النجوم ترمي الجن بشعل النار.
وقال شيخه الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه: إن الذي يرجم به شهب تخلق عند الرجم. ولذا قال أبو علي في قوله تعالى وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [الملك ٥] الهاء عائدة على السماء، التقدير: وجعلنا شهبها. على حذف المضاف، فصار الضمير للمضاف إليه. انتهى.
الثالث: قال الإمام أبو عبد اللَّه الحليمي رحمه اللَّه تعالى: فإن قيل هذا القذف كان لأجل النبوة، فلم دام بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب: أنه دام بدوام النبوة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ببطلان الكهانة، فلو لم تحرس السماء بعد موته فعادت الجن إلى تسمعها وعادت الكهانة، ولا يجوز ذلك بعد أن بطل لأن قطع الحراسة عن السماء إذا وقع لأجل النبوة فعادت الكهانة دخلت الشبهة في ضعفاء المسلمين ولم يؤمن أن يظنوا أن الكهانة إنما عادت لتناهي النبوة، فصح أن الحكمة تقتضي دوام الحراسة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.