له عداس، فقالت له يا عداس أذكرك اللَّه إلا ما أخبرتني هل عندكم علم من جبريل؟ فقال عداس: قدوس قدوس ما شأن جبريل يذكر بهذه الأرض التي أهلها أهل الأوثان. فقالت:
أخبرني بعلمك فيه. قال: هو أمين اللَّه بينه وبين النبيين، وهو صاحب موسى وعيسى.
فرجعت من عنده فانطلقت برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل بن أسد ابن عم خديجة وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربيّ فيكتب من الإنجيل ما شاء اللَّه أن يكتب، وكان شيخا قد عمي، فقالت له خديجة: يا بن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة: يا بن أخي ماذا ترى. فأخبره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة: أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم. هذا الناموس الذي أنزل اللَّه على موسى. وفي لفظ: وإنك على مثل ناموس موسى، وإنك لنبي مرسل وستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك، يا ليتني فيها جذعا. وفي لفظ جذع. ليتني أكون حياً إذا يخرجك قومك ...
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم؟ فقال: نعم. لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي. وفي لفظ: أوذي. وفي رواية: لتكذبنه ولتؤذينه ولتقاتلنه، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي.
وقال ورقة في ذلك أشعاراً منها قوله:
يا للرجال وصرف الدهر والقدر ... وما لشيء قضاه اللَّه من غير
حتى خديجة تدعوني لأخبرها ... أمرا أراه سيأتي الناس من أخر
وخبرتني بأمر قد سمعت به ... فيما مضى من قديم الدهر والعصر
بأن أحمد يأتيه ويخبره ... جبريل أنك مبعوث إلى البشر
فقلت عل الذي ترجين ينجزه ... لك الإله فرجى الخير وانتظري
وأرسليه إلينا كي نسائله ... عن أمره ما يرى في النوم والسهر
فقال حين أتانا منطقا عجبا ... يقف منه أعالي الجلد والشعر
إني رأيت أمين اللَّه واجهني ... في صورة أكملت من أعظم الصور
ثم استمر فكاد الخوف يذعرني ... مما يسلم من حولي من الشجر
فقلت ظني وما أدري أيصدقني ... أن سوف تبعث تتلو منزل السور
وسوف أنبيك إن أعلنت دعوتهم ... من الجهاد بلاد من ولا كدر
[ (١) ] .
وقوله:
[ (١) ] انظر الروض الأنف ١/ ٢١٧، ٢١٨ البداية والنهاية ٣/ ١١.