للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بإيصاله إلى الخلق أن يتقدمه تشريح وتأسيس، وكان ما يراه النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤيا الصادقة ومحبة الخلوة والتعبد من ذلك، فلما جاءه الملك فجأه بغتة أمر خالف العادة والمألوف فنفر طبعه البشري منه وهاله ذلك ولم يتمكن من التأمل في تلك الحال، لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها، فلا يتعجب أن يجزع مما لم يألفه وينفر طبعه منه، حتى إذا اندرج عليه وألفه استمر عليه، فلذلك رجع إلى أهله التي ألف أنسها فأعلمها بما وقع له، فهونت عليه خشيته مما عرفته من أخلاقه الكريمة وطريقته الحسنة، فأرادت الاستظهار بمسيرها به إلى ورقة لمعرفتها بصدقه ومعرفته وقراءته الكتب القديمة فلما سمع كلامه أيقن بالحق واعترف به، وأشار إلى أن الحكمة في ذكره صلّى الله عليه وسلم ما اتفق له في هذه القصة: أن يكون سببا في انتشار خبره في بطانته ومن يستمع لقوله ويصغي إليه طريقا في معرفتهم مباينة من سواه في أحواله لينبهوا [ (١) ] على محله.

العشرون: ورقة هو ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي ابن عم خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. ذكره الطبري والبغوي وابن نافع وابن السكن وغيرهم في الصحابة.

وروى يونس بن بكير عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أحد كبار التابعين أن ورقة قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به عيسى ابن مريم وأنك على مثل ناموس موسى، وأنك نبي مرسل. فذكر الحديث وفيه: فلما توفي قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب بيض لأنه آمن بي وصدقني» [ (٢) ] .

في سنده انقطاع.

ويعضده ما رواه الزبير بن بكار بسند جيد عن عروة بن الزبير قال: كان بلال لجارية من بني جمح، وكانوا يعذبونه برمضاء مكة يلصقون ظهره بالمرضاء لكي يشرك فيقول: أحد أحد. فمر به ورقة وهو على تلك الحال فيقول: أحد أحد يا بلال، واللَّه لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا.

فهذا المرسل يدل على أن ورقة عاش إلى أن دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام حتى أسلم بلال.

قال الحافظ: والجمع بين هذا وبين حديث عائشة: أن يحمل قولها: لم ينشب ورقة أن توفى. أي قبل أن يشتهر الإسلام ويؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد.

ولا يعكر على ذلك ما رواه ابن عائذ عن ابن عباس أن ورقة مات على نصرانيته لأن في


[ (١) ] في ألينتبهوا.
[ (٢) ] أخرجه البيهقي في الدلائل ٢/ ١٥٨- ٢٢١ وذكره ابن كثير في البداية والنهاية ٣/ ١٠.