للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن اللَّه باين بينه وبينها فجعل له الأمرين: إنزاله جملة ثم إنزاله مفرقا تشريفا للمنزل عليه. ذكر ذلك أبو شامة رحمه اللَّه تعالى.

وقال الحكيم الترمذي رحمه اللَّه تعالى: إنزال القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا تسليما منه للأمة ما كان أبرز لهم من الحظ بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن بعثته كانت رحمة، فلما خرجت الرحمة بفتح الباب جاءت بمحمد وبالقرآن، فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حد الدنيا، ووضعت النبوة في قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وجاء جبريل بالرسالة ثم الوحي، كأنه أراد تعالى أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من اللَّه تعالى إلى الأمة.

وقال الإمام أبو الحسن السخاوي في «جمال القرآن» في نزول القرآن إلى السماء جملة تكريم بني آدم وتعظيم شأنهم عند الملائكة وتعريفهم عناية اللَّه بهم ورحمته لهم، ولهذا المعني أمر سبعين ألفا من الملائكة أن تشيع سورة الأنعام! وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل بإملائه على السفرة الكرام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له.

قال: وفيه أيضاً التسوية بين نبينا وبين موسى في إنزال كتابه جملة، والتفضيل لمحمد صلى الله عليه وسلم في إنزاله عليه منجما ليحفظه.

الثاني: قال أبو شامة رحمه اللَّه تعالى: الظاهر أنه نزل جملة إلى السماء الدنيا قبل ظهور نبوته صلى الله عليه وسلم. قال: ويحتمل أن يكون بعدها.

قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: والظاهر الثاني.

وسياق الآثار السابقة عن ابن عباس صريح فيه.

وقال الحافظ: قد أخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه، والزبور لثمان عشرة خلت منه، والقرآن لأربع وعشرين خلت منه» [ (١) ] . وفي رواية: «وصحف إبراهيم لأول ليلة» .

قال: وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة ١٨٥] ولقوله إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر ١] فيحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة، فأنزل فيها جملة إلى السماء الدنيا، ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ.


[ (١) ] أخرجه أحمد في المسند ٤/ ١٠٧ والطبري في التفسير ٢/ ٨٤ والبيهقي في الأسماء والصفات (٢٣٤) .