للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال بعضهم لبعض: لقد أوتي هذا العبد خيرا، ما رأينا عبدا قط أوتي مثل ما أوتي، إنّ عينيه نائمتان وقلبه يقظان. ثم قال بعضهم لبعض: هلم فلنضرب له مثلا، فقال بعضهم: اضربوا مثلا ونؤوّل نحن أو نضرب نحن وتؤوّلون أنتم. فقال بعضهم: اسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك، إن مثلك- وفي لفظ: مثله- كمثل ملك، وفي لفظ: رجل. وفي لفظ: سيّد ابتنى بنيانا حصينا ثم جعل فيه مأدبة وبعث داعياً- وفي لفظ: رسولا- يدعو الناس إلى طعامه وشرابه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه، فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه، ومن لم يجبه عذّبه عذابا شديدا. أوّلوها له يفقهها. فقال الآخرون: فأما السيّد: فهو ربّ العالمين.

وأما البنيان: فهو الإسلام. والطعام: الجنة. والداعي: محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع اللَّه وكان في الجنة، ومن عصى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد عصى اللَّه وكان في النار، محمد فرق بين الناس.

قال ابن مسعود: ثم إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استيقظ قال: ما رأيت يا بن أمّ عبد؟ هل سمعت ما قال هؤلاء؟ قال عبد الله: رأيت كذا وكذا. قال: هل تدري من هم؟ قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال: المثل الذي ضربوه: الرحمن، بنى الجنة ودعا إليها عباده، فمن أجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عاقبه وعذّبه، ما خفي علي شيء مما قالوا، وهم نفر من الملائكة.

وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الجنادب والفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن- ويغلبنه فيقعن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها

[ (١) ] .

ولفظ مسلم: «فذلك مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم هلمّ عن النار فتغلبونني تقتحمون فيها» .

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأى فيما يرى النائم ملكين قعد أحدهما عند رجليه والآخر عند رأسه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمته. فقال: مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى مفازة فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به، فبينما هم كذلك إذا أتاهم رجل في حلّة حبرة فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أتتبعوني؟ فقالوا: نعم فأوردهم رياضا معشبة وحياضا رواء فأكلوا وشربوا وسمتوا فقال لهم: ألم ألقكم على تلك الحالة فجعلتم لي وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أن تتبعوني؟ قالوا: نعم. فأوردهم


[ (١) ] أخرجه البخاري ٤/ ٣١٥ كتاب الأنبياء (٣٤٢٦) ومسلم ٤/ ١٧٨٩ كتاب الفضائل (١٧- ٢٢٨٤) .