للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الحافظ: وإنما أفرد الطائفتين الأولتين الممدوحتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النّفع بها.

ثم ظهر لي إن في كل مثل طائفتين، فالأول قد أوضحناه والثاني: الأول منه من دخل في الدين ولم يسمع العلم، أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه، وأشير إليها

بقوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يرفع بذلك رأسا»

[ (١) ] أي أعرض عنه فلم ينتفع به ولا نفع. والثانية منه: من لم يدخل في الدين أصلا بل بلغه فكفر به، ومثالها الأرض الصمّاء الملساء المستوية التي تمرّ عليها الماء فلا تنتفع به، وأشير إليها

بقوله صلى الله عليه وسلم: «ولم يقبل هدى اللَّه الذي أرسلت به» .

وقال الطّيبيّ: قال المطهّريّ: اعلم أنه ذكر في الأرض ثلاثة أقسام، وفي تقسيم الناس باعتبار قبول العلم قسمين: أحدهما من فقه في دين اللَّه إلى آخره. والثاني: من لم يرفع بذلك رأسا، يعني تكبّر ولم يقبل الدّين، يقال: لم يرفع فلان رأسه بهذا أي لم يلتفت إليه من غاية تكبّره، وإنما ذكره كذلك لأن القسم الأول والثاني من أقسام الأرض كقسم واحد من حيث إنه ينتفع به والثاني لا ينتفع به، وكذلك الناس قسمان: أحدهما من يقبل العلم وأحكام الدين.

والثاني: من لا يقبلهما، وهذا يوجب جعل الناس في الحديث على قسمين: أحدهما ينتفع به والثاني لا ينتفع به. وأما في الحقيقة فالناس على ثلاثة أقسام: فمنهم من يقبل العلم بقدر ما يعمل به ولم يبلغ درجة الفتوى والتدريس وإفادة الناس فهو القسم الأول، ومنهم من يقبل من العلم بقدر ما يعمل به وبلغ أيضا درجة الفتوى والتدريس وإفادة الناس، فهو القسم الثاني، ومنهم من لا يقبل العلم، وهو القسم الثالث.

قال الطيبي: اتفق الشارحون على هذا الوجه الثاني، وظاهر الحديث ينصر الوجه الأول، لأن الشّطر الأول من التمثيل مركب من أمرين، وذلك أن

«أصاب منها طائفة»

معطوف على

«أصاب أرضا»

والضمير في منها يرجع إلى مطلق الأرض المدلول عليه بقوله أرضا، ثم قسمت الأرض الأولى بحرف التعقيب في

«فكانت»

وعطف كانت على كانت قسمين، فيلزم اشتمال الأرض الأولى على الطائفة الطيبة وعلى الأجادب، والثانية على عكسها، فالواو في

«وكانت»

ضمّت وترا إلى وتر، وفي «وأصابت» شفعا إلى شفع، نظيره قوله تعالى: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ [فاطر ١٩] وقوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [الأحزاب ٣٥] قال في الكشاف: الفرق بين عطف الإناث على الذكور وعطف الزوجين على الزوجين أن الإناث والذكور جنسان مختلفان إذا اشتركا في حكم لم يكن بد من توسط العاطف بينهما، وأما العاطف الثاني فمن باب عطف الصفة على


[ (١) ] أخرجه البخاري ١/ ٢١١ (٧٩) ومسلم ٤/ ١٧٨٧ (١٥- ٢٢٨٢) .