جاء به من اللَّه تعالى، فعبدنا اللَّه تعالى وحده ولم نشرك به شيئاً وحرّمنا ما حرم اللَّه علينا وأحللنا ما أحلّ لنا فعدا علينا قومنا فعذّبونا وفتنونا عن ديننا ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة اللَّه وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك.
فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به من شيء فقال له جعفر: نعم. قال فاقرأه عليّ.
فقرأ عليه صدرا من «كهيعص» فبكى واللَّه النجاشيّ حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما يتلى عليهم.
ثم قال له النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج عن مشكاة واحدة.
ثم قال النجاشي لعمرو: أعبيدهم لكم؟ قال: لا. قال: أفلكم عليهم دين؟ قال: لا.
قال: انطلقا فواللَّه لا أسلمهم إليكما أبدا ولا يكادون.
فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: واللَّه لآتينّه عنهم غدا بما أستأصل به خضراءهم. فقال له عمارة لا تفعل فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا. قال: واللَّه لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد.
ثم غدا إلى النجاشي فقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما فاسألهم عما يقولون فيه. فأرسل إليهم ليسألهم عنه فاجتمع المسلمون ولم ينزل بهم مثلها. فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه؟ فقالوا: نقول واللَّه ما قال اللَّه تعالى وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن. فقال جعفر: لا يتكلم أحد أنا خطيبكم.
فلما دخلوا عليه فإذا هو جالس في مجلسه وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن شماله والقسيسون جلوس سماطين، فقال لجعفر وأصحابه: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟
فقال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا، نقول هو عبد اللَّه ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فضرب النجاشي بيده الأرض فأخذ منها عودا ثم قال ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود، يا معشر القسيسين والرهبان واللَّه ما يزيدون على الذي فيه. فتناحرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال: وإن نخرتم واللَّه.
ثم قال: مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده أشهد أنه رسول اللَّه وأنه الذي نجد في الإنجيل، وأنه الرسول الذي بشر به عيسى ابن مريم، انزلوا حيث شئتم، واللَّه لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا الذي أحمل نعليه. وأمر لنا بطعام وكسوة، ثم قال: اذهبوا فأنتم آمنون. من سبّكم غرم، من سبّكم غرم، من سبّكم غرم. قالها ثلاثا. فما أحب أن لي جبلا من ذهب وأني آذيت رجلا منكم.