عن عبد الرحمن بن أبي ليلى واللفظ لأبي الفرج قال: وكان اللَّه سبحانه وتعالى قد ألقى العداوة بين عمرو وعمارة في مسيرهما قبل أن يقدما على النجاشي، وذلك أن عمرا كان رجلا دميما ومعه امرأته، وكان عمارة رجلا جميلا، فهوي امرأة عمرو وهويته، فعزما على دفع عمرو في البحر فدفع عمارة عمرا في البحر فسبح عمرو ونادى أصحاب السفينة فأخذوه فرفعوه إلى السفينة- فأضمرها عمرو في نفسه ولم يبدها لعمارة، بل قال لامرأته: قبّلي ابن عمك عمارة لتطيب بذلك نفسه. فلما أتيا أرض الحبشة وردّهما اللَّه تعالى خائبين مكر عمرو بعمارة فقال له: أنت امرؤ جميل وهن النساء يحببن الجمال، فتعرّض لامرأة النجاشي فلعلها أن تشفع لنا عند الملك في قضاء حاجتنا. ففعل عمارة وتكرّر تردده إلى امرأة النجاشي وأخذ عطرا من عطرها، فلما رأى عمرو ذلك أتى الملك فذكر له أمر عمارة، فأدركت الملك عزة الملك وقال: لولا أنه جاري لقتلته، ولكن سأفعل له ما هو شر من القتل. فدعا بالسّواحر فأمرهن أن يسحرنه فنفخن في إحليله نفخة طار منها هائما على وجهه حتى لحق بالوحوش بالجبال، فكان إذا رأى آدميّا ينفر منه، وكان ذلك آخر العهد به إلى زمن عمر بن الخطاب، فجاء ابن عمة عبد الله بن أبي ربيعة إلى عمر بن الخطاب واستأذنه في المسير إليه لعله يجده، فأذن له عمر، فسار عبد الله إلى أرض الحبشة فأكثر النّشدة عنه والفحص عن أمره حتى أخبر أنه في جبل كذا يرد مع الوحوش إذا وردت ويصدر معها إذا صدرت، فسار إليه فكمن له في طريقه إلى الماء فإذا هو قد غطّاه شعره وطالت أظافره وتمزقت عنه ثيابه حتى كأنه شيطان، فقبض عليه عبد الله وجعل يذكّره بالرّحم ويستعطفه وهو ينتفض منه وهو يقول أرسلني يا بجير أرسلني يا بجير وأبي عبد الله إن يرسله حتى مات بين يديه.
قال الزهري: فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير فقال: أتدري ما قوله: «ما أخذ اللَّه الرشوة منيّ فآخذ الرشوة فيه ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه؟» فقلت: لا. قال عروة: فإن عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه وكان له أخ له من صلبه اثنا عشر رجلا ولم يكن لأبي النجاشي ولد غير النجاشي، فأدارت الحبشة رأيها بينها فقالوا: لو أنّا قتلنا أبا النجاشي وملّكنا أخاه فإن له اثني عشر رجلا من صلبه فتوارثوا الملك لبقيت الحبشة عليهم دهرا طويلا لا يكون بينهم اختلاف، فعدوا عليه فقتلوه وملّكوا أخاه. فمكثوا على ذلك حينا ونشأ النجاشيّ مع عمه فلا يدبّر أمر عمه غيره، وكان النجاشي حازما لبيبا من الرجال، فلما رأت الحبشة مكانه من عمه قالوا: قد غلب هذا الغلام على أمر عمه فما نأمن من أن يملّكه علينا، وقد عرف أنا قتلنا أباه، فلئن فعل لم يدع منا شريفا إلا قتله، فكلّموه فيه فليقتله أو ليخرجه من بلادنا.
فمشوا إلى عمه فقالوا: قد رأينا مكان هذا الغلام منك، وقد عرفت أنا قتلنا أباه وجعلناك مكانه، وإنا لا نأمن من أن يملّك علينا فيقتلنا، فإما أن تقتله وإما أن تخرجه من بلادنا. قال: ويحكم