للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدها: اختصاص جواز ذلك بالصَّحابة، وهو الذي فهمه من حرَّم الفسخ.

الثَّاني: اختصاص وجوبه بالصَّحابة، وهو الذي كان يراه شيخنا قدَّس الله روحه، يقول (١): إنَّهم كانوا فرضًا (٢) عليهم الفسخُ لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم به، وحَتْمه عليهم، وغضبه عندما توقَّفوا في المبادرة إلى امتثاله، وأمَّا الجواز والاستحباب فللأمَّة إلى يوم القيامة. لكن أبى ذلك البحر ابن عبَّاسٍ، وجعل الوجوب للأمَّة إلى يوم القيامة، وأنَّ فرضًا على كلِّ مفردٍ وقارنٍ لم يسُقِ الهدي أن يحلَّ ولا بدَّ، بل قد حلَّ وإن لم يشأ. وأنا إلى قوله أميلُ منِّي إلى قول شيخنا.

الاحتمال الثَّالث: أنَّه ليس لأحدٍ بعد الصَّحابة أن يبتدئ حجًّا مفردًا أو قارنًا بلا هديٍ، يحتاج معه إلى الفسخ، لكنْ فرضٌ عليه أن يفعل ما أمر به النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في آخر الأمر من التَّمتُّع لمن لم يسق الهدي، والقران لمن ساق، كما صحَّ عنه ذلك. وأمَّا أن يُحرِم بحجٍّ مفردٍ، ثمَّ يفسخه عند الطَّواف إلى عمرةٍ مفردةٍ، ويجعله متعةً= فليس له ذلك، بل هذا إنَّما كان للصَّحابة، فإنَّهم ابتدؤوا الإحرام بالحجِّ المفرد قبل أمر النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالتَّمتُّع والفسخ إليه، فلمَّا استقرَّ أمره بالتَّمتُّع والفسخ إليه لم يكن لأحدٍ أن يخالفه ويفرِد ثمَّ يفسخه.

وإذا تأمَّلتَ هذين الاحتمالين الأخيرين رأيتهما إمَّا راجحين على


(١) لم أجد كلامه في كتبه الموجودة.
(٢) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «كانوا قد فرض».