للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاحتمال الأوَّل، أو مساويينِ له، فسقط معارضة الأحاديث الثَّابتة الصَّريحة به جملةً، وباللَّه التَّوفيق.

وأمَّا ما رواه مسلم في «صحيحه» عن أبي ذر: أنَّ المتعة في الحجِّ كانت لهم خاصَّةً، فهذا إن أريد به أصل المتعة فهذا لا يقول به أحدٌ من المسلمين، بل المسلمون متَّفقون على جوازها إلى يوم القيامة. وإن أريد متعة الفسخ احتمل الوجوه الثَّلاثة المتقدِّمة.

قال الأثرم في «سننه» (١): ذكر لنا أحمد بن حنبلٍ أنَّ عبد الرحمن بن مهديٍّ حدَّثه عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التَّيميِّ، عن أبيه (٢)، عن أبي ذر في متعة الحجِّ: كانت لنا خاصَّةً. فقال أحمد بن حنبلٍ: رحم الله أبا ذر، هي في كتاب الله عزَّ وجلَّ: {أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى} [البقرة: ١٩٦].

قال المانعون من الفسخ: قول أبي ذر وعثمان: إنَّ ذلك منسوخٌ أو خاصٌّ بالصَّحابة، لا يقال مثله بالرَّأي، فمع قائله زيادةُ علمٍ خفيتْ على من ادَّعى بقاءه وعمومه، فإنَّه مستصحبٌ لحال النَّصِّ بقاءً وعمومًا، فهو بمنزلة صاحب اليد في العين المدَّعاة، ومدِّعي نسخه أو اختصاصه بمنزلة صاحب البيِّنة الذي يُقدَّم على صاحب اليد.

قال المجوِّزون للفسخ: هذا قولٌ فاسدٌ لا شكَّ فيه، بل هذا رأيٌ لا شكَّ فيه، وقد صرَّح بأنَّه رأيُ مَن هو أعظم من عثمان وأبي ذر: عمرانُ بن


(١) رواه ابن حزم من طريقه في «حجة الوداع» (ص ٣٧١).
(٢) «عن أبيه» ساقطة من المطبوع.