للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعروة، وطاوس، ومجاهد.

الموضع الثَّاني: قوله فيه: «فلمَّا مَسَحْنا البيتَ أحللنا، ثمَّ أهللنا من العشيِّ بالحجِّ»، وهذا باطلٌ لا شكَّ فيه؛ لأنَّ جابرًا وأنس بن مالكٍ وابن عبَّاس وعائشة، كلَّهم رووا أنَّ الإحلال كان يومَ دخولهم مكَّة، وأنَّ إهلالهم (١) بالحجِّ كان يوم التَّروية، وبين اليومين المذكورين ثلاثة أيَّامٍ بلا شكٍّ.

قلت: الحديث ليس بمنكرٍ ولا باطلٍ، وهو صحيحٌ، وإنَّما أُتي أبو محمد - رحمه الله - فيه من فهمه، فإنَّ أسماء أخبرتْ أنَّها اعتمرت هي وعائشة، وهكذا وقع بلا شكٍّ. وأمَّا قولها: «فلمَّا مسحنا البيتَ أحللنا»، إخبارٌ (٢) عنها نفسها، وعمَّن لم يُصِبه عذر الحيض الذي أصاب عائشة، وهي لم تصرِّح بأنَّ عائشة مسحت البيت يوم دخولهم مكَّة، وأنَّها حلَّت ذلك اليوم. ولا ريبَ أنَّ عائشة قدِمتْ بعمرةٍ، ولم تزلْ عليها حتَّى حاضت بسَرِف، فأدخلت عليها الحجَّ، وصارت قارنةً. فإذا (٣) قيل: اعتمرت عائشة مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو قدِمَتْ بعمرةٍ، لم يكن هذا كذبًا.

وأمَّا قولها: «ثمَّ أهللنا من العشيِّ بالحجِّ»، فهي لم تقل: إنَّهم أهلُّوا من عشيِّ يومِ القدوم، ليلزمَ ما قال أبو محمد، وإنَّما أرادت عشيَّ يوم التَّروية. ومثل هذا لا يحتاج في ظهوره وبيانه إلى أن يصرَّح فيه بعشيِّ ذلك اليوم بعينه؛ لعلم الخاصِّ والعامِّ به، وأنَّه ممَّا لا تذهب الأوهام إلى غيره، فردُّ


(١) في المطبوع: «إحلالهم»، تحريف.
(٢) كذا في النسخ بدون الفاء.
(٣) ك: «فإن».