للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمرَ الذي أحرم في جُبَّةٍ بعد ما تَضَمَّخ بالخَلُوق أن يَنزِع (١) عنه الجبَّة، ويَغسِل عنه أثرَ الخَلُوق (٢).

فعلى هذه الأحاديث الثَّلاثة مدارُ منع المحرم من الطِّيب. وأصرحُها هذه القصَّة، فإنَّ النَّهي في الحديثين الأخيرين (٣) إنَّما هو عن نوعٍ خاصٍّ من الطِّيب لا سيَّما الخَلُوق، فإنَّ النَّهي عنه عامٌّ في الإحرام وغيره.

وإذا كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد نهى أن يقرب طيبًا أو يمسَّ به، تناولَ ذلك الرَّأسَ والبدن والثِّياب. وأمَّا شمُّه من غير مسٍّ فإنَّما حرَّمه من حرَّمه بالقياس، وإلَّا فلفظ النَّهي لا يتناوله بصريحه، ولا إجماعٌ معلوم فيه يجب المصير إليه، ولكن تحريمه من باب تحريم الوسائل، فإنَّ شمَّه يدعو إلى ملابسته (٤) في البدن والثِّياب، كما حُرِّم النَّظر إلى الأجنبيَّة؛ لأنَّه وسيلةٌ إلى غيره، وما حُرِّم تحريمَ الوسائل فإنَّه يُباح (٥) للحاجة والمصلحة الرَّاجحة، كما يباح النَّظر إلى الأمة المستامة (٦)، والمخطوبة، ومن يشهد عليها، ويُعاملها، ويَطُبُّها (٧).

وعلى هذا، فإنَّما يُمنع المحرِم من قصْد شمِّ الطِّيب للتَّرفُّه واللذَّة. فأمَّا


(١) في المطبوع: «تُنزع ... ويُغسَل» بصيغة المبني للمجهول. وفي سياق الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به ذلك الشخص الذي أحرم في جبة وتضمَّخ بالخلوق، لا غيره.
(٢) رواه البخاري (١٧٨٩) ومسلم (١١٨٠/ ٦) من حديث يعلى بن أمية - رضي الله عنه - .
(٣) ك، ص, ب، مب: «الآخرين».
(٤) ق, م, ب، مب: «ملامسته». والمثبت من ك، ص، ج.
(٥) ص، ج: «مباح».
(٦) أي التي يُطلب شراؤها.
(٧) أي يداويها.