للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا وصلت الرَّائحة إلى أنفه من غير قصدٍ منه، أو شمَّه قصدًا لاستعلامه (١) عند شرائه، لم يُمنَع منه، ولم يجب عليه سَدُّ أنفه. فالأوَّل بمنزلة نظر الفجأة، والثَّاني بمنزلة نظر المستام والخاطب.

وممَّا يوضِّح هذا: أنَّ الذين أباحوا للمحرِم استدامةَ الطِّيب قبل الإحرام، منهم من صرَّح بإباحة تعمُّد شمِّه بعد الإحرام، صرَّح بذلك أصحاب أبي حنيفة، فقالوا في «جوامع الفقه» (٢) لأبي يوسف: لا بأسَ بأن يشمَّ طيبًا تطيَّب به قبل إحرامه. قال صاحب «المفيد» (٣): إنَّ (٤) الطِّيب يتَّصل به فيصير تبعًا له؛ ليدفع به أذى التَّفَث (٥) بعد إحرامه، فيصير كالسَّحور في حقِّ الصَّائم، يدفع به أذى الجوع والعطش في الصَّوم، بخلاف الثَّوب فإنَّه مباينٌ عنه.

وقد اختلف الفقهاء: هل هو ممنوعٌ من استدامته كما هو ممنوعٌ من ابتدائه، أو يجوز له استدامته؟ على قولين. فمذهب الجمهور جواز


(١) ك: «لاستعماله».
(٢) «جوامع الفقه» لأبي نصر أحمد بن محمد العتّابي الحنفي المتوفى سنة ٥٨٦، وهو كبير في أربع مجلدات. انظر: «كشف الظنون» (١/ ٦١١، ٥٦٧) و «الجواهر المضية» (١/ ٢٩٩).
(٣) هو «المفيد والمزيد في شرح التجريد» لتاج الدين عبد الغفار بن لقمان الكردري الحنفي المتوفى سنة ٥٦٢. انظر: «كشف الظنون» (١/ ٣٤٥، ٣٤٦) و «الجواهر المضية» (٢/ ٤٤٤).
(٤) ص، ج: «لأن».
(٥) في المطبوع وق، م، ب، مب: «التعب»، تصحيف. والمثبت من بقية النسخ.