للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: ٥٤]، وعُتبة من العَتَب (١)، فدلَّت أسماؤهم على عَتَبٍ يحلُّ بهم وضَعفٍ ينالهم. وكان أقرانهم من المسلمين علي وعُبيدة والحارث (٢)، ثلاثة أسماءٍ تُناسب أوصافَهم، وهي العلوُّ والعبوديَّة والسَّعي الذي هو الحرث، فعَلَوا عليهم بعبوديَّتهم وسعيهم في حرث الآخرة.

ولمَّا كان الاسم مقتضيًا لمسمَّاه ومؤثِّرًا فيه، كان أحبُّ الأسماء إلى الله ما اقتضى أحبَّ الأوصاف إليه، كعبد اللَّه وعبد الرَّحمن، وكان إضافة العبودية إلى اسم الله واسم الرَّحمن أحبَّ إليه من إضافتها إلى غيرهما من الأسماء، كالقاهر والقادر، فعبد الرَّحمن أحبُّ إليه من عبد القادر، وعبد الله أحبُّ إليه من عبد ربِّه؛ وهذا لأنَّ التعلُّق الذي بين العبد وبين الله إنَّما هو العبوديَّة المحضة، والتَّعلُّق الذي (٣) بين الله وبين العبد بالرَّحمة المحضة، فبرحمته كان وجوده وكمالُ وجوده، والغاية الَّتي أوجده لأجلها أن يتألَّهه وحدَه، محبَّةً وخوفًا ورجاءً وإجلالًا وتعظيمًا، فيكون عبدًا للَّه، وقد عبده بما في اسم الله من معنى الإلهيَّة التي يستحيل أن تكون لغيره. ولمَّا غلبت رحمتُه غضبَه، وكانت الرَّحمة أحبَّ إليه من الغضب، كان عبد الرَّحمن أحبَّ إليه من عبد القاهر.


(١) العتَب: الشدة والأمر الكريه. ويمكن أن يكون العَتْب بمعنى العتاب.
(٢) في هامش ك: «صوابه مكان الحارث حمزة». وهو كما قال، انظر: «سيرة ابن هشام» (١/ ٦٢٥) وغيرها.
(٣) «بين العبد ... الذي» ساقطة من ك.