للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إرادتان (١): إرادةٌ من عبده أن يفعل، وإرادةٌ من نفسه أن يُعِينَه، ولا سبيلَ له إلى الفعل إلا بهذه الإرادة، ولا يملك منها شيئًا (٢)، كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٩]، فإن كان مع العبد روحٌ أخرى، نسبتُها إلى روحه كنسبة روحه إلى بدنه، يستدعي بها إرادة الله من نفسه أن يفعل به ما يكون به العبد فاعلًا، وإلَّا فمحلُّه غيرُ قابلٍ للعطاء (٣)، وليس معه إناءٌ يُوضَع فيه العطاء (٤)، فمن جاء بغير إناءٍ رجع بالحرمان، ولا يَلُومَنَّ إلا نفسَه.

والمقصود أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - استعاذ من الهمِّ والحَزَن، وهما قرينان، ومن العَجْز والكَسَل، وهما قرينان، فإنَّ تخلُّفَ كمال العبد وصلاحه عنه: إمَّا أن يكون لعدم قدرته عليه فهو عجزٌ، أو يكون قادرًا عليه لكن لا يريده فهو كسلٌ، وينشأ عن هاتين الصِّفتين فواتُ كلِّ خيرٍ، وحصولُ كلِّ شرٍّ، ومن ذلك الشرِّ تعطُّلُه عن النَّفع ببدنه وهو الجبن، وعن النَّفع بماله وهو البخل. ثمَّ ينشأ له من ذلك غلبتان: غلبةٌ بحقٍّ وهي غلبة (٥) الدَّين، وغلبةٌ بباطلٍ وهي غلبة الرِّجال، وكلُّ هذه المفاسد ثمرة العجز والكسل.

ومن هذا قوله في الحديث الصَّحيح للرَّجل الذي قضى عليه، فقال: «حسبي الله ونعم الوكيل»، فقال: «إنَّ الله يلوم على العجز، ولكن عليك


(١) «إرادتان» ليست في ق.
(٢) «فهو سبحانه ... شيئًا» ساقطة من ج.
(٣) ك: «بلعطايا».
(٤) ك: «للعطايا».
(٥) ص، ك، ج: «ضلع».