للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالكَيْس، فإذا غلبك (١) أمرٌ فقل: حسبي الله ونعم الوكيل» (٢). فهذا قال «حسبي الله ونعم الوكيل» بعد عجزه عن الكَيْس، الذي لو قام به لقُضِي له على خصمه، فلو فعل الأسباب التي يكون بها كيِّسًا ثمَّ غُلِب فقال: «حسبي الله ونعم الوكيل» لكانت الكلمة قد وقعت موقعَها، كما أنَّ إبراهيم الخليل لمَّا فعل الأسباب المأمور بها، ولم يَعجِزْ بتركها ولا تَرْكِ شيءٍ منها، ثمَّ غلبه عدوُّه وألقوه في النَّار= قال في تلك الحال: «حسبي الله ونعم الوكيل» (٣)، فوقعت الكلمة موقعها، واستقرَّت في نصابِها (٤)، فأثَّرت أثرَها، وترتَّب عليها مقتضاها.

وكذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يومَ أحدٍ، لمَّا قيل لهم بعد انصرافهم من أحدٍ: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}، فتجهَّزوا وخرجوا للقاء العدوّ، وأعطَوهم الكَيْسَ من نفوسهم، ثمَّ قالوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: ١٧٣] (٥)، فأثَّرت الكلمة أثرَها، واقتضت مُوجَبَها، ولهذا قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ


(١) ك: «غلب».
(٢) رواه أحمد (٢٣٩٨٣) وأبو داود (٣٦٢٧) والنسائي في «السنن الكبرى» (١٠٣٨٧) من حديث عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه -. وفي إسناده عنعنة بقية بن الوليد، وجهالة سيف الشامي، فإنَّ النسائي قال: «لا أعرفه».
(٣) رواه البخاري (٤٥٦٤) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -.
(٤) كذا في ق، ب، مب. والنصاب: الأصل والمرجع، يقال: رجع الأمر إلى نصابه. وفي ج، ص، ك: «مضانها». وفي المطبوع: «مظانها». وكلاهما تحريف.
(٥) رواه البخاري (٤٥٦٣) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -.