للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعةً بين يديه وساعةً خلفه، حتى فطن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله فقال: يا رسول الله، أذكر الطَّلَب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرَّصَد فأمشي بين يديك، فقال: «يا أبا بكر، لو كان شيء، أحببتَ أن يكون بك دوني؟» قال: نعم والذي بعثك بالحق، فلمّا انتهى (١) إلى الغار قال أبو بكر (٢): مكانَك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار، فدخل واستبرأه حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبرئ الجُحْرة فقال: مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ الجحرة، فدخل واستبرأ ثم قال: انزل يا رسول الله، فنزل.

ومكثا في الغار ثلاث ليالٍ حتى خَمَدت عنهما نارُ الطلب، فجاءهما عبد الله بن أريقط بالراحلتين فارتحلا، وأردف أبو بكر عامر بن فُهَيرة، وسار الدليلُ أمامهما، وعين الله تكلؤهما وتأييده يَصْحَبُهما وإسعادُه يُرْحِلُهما ويُنْزِلهما.

ولما يئس المشركون من الظفر بهما جعلوا لمن جاء (٣) بهما دية كل واحدٍ منهما، فجدَّ الناسُ في الطلب، والله غالب على أمره، فلما مرُّوا بحي بني مدلج مُصْعِدين من قُدَيد (٤) بصر بهم رجل من الحي فوقف على الحي وقال: لقد رأيت آنفًا بالساحل أسودةً ما أُراها إلا محمدًا وأصحابه، ففطن بالأمر سُراقة بن مالك فأراد أن يكون الظفر له خاصَّةً ــ وقد سبق له من


(١) ث: «انتهيا»، وهو لفظ الحاكم.
(٢) «أبو بكر» سقط من ص، ز، ج، ع.
(٣) ص، ز: «جاءهم».
(٤) واد مشهور ــ ولا يزال يعرف بهذا الاسم ــ كثير العيون والقرى، يقطعه الطريق من مكة إلى المدينة على نحو من ١٢٥ كيلًا. انظر: «معجم معالم السيرة» (ص ٢٤٩).