وأما اليهود فقالوا: خالف قبلةَ الأنبياء قبله، ولو كان نبيًّا لكان يصلي إلى قِبلة الأنبياء.
وأما المنافقون فقالوا: ما يدري محمد أين يتوجَّه؛ إن كانت القبلة الأولى حقًّا فقد تركها، وإن كانت الثانية هي الحقَّ فقد كان على باطل. وكثرت أقاويل السفهاء من الناس، وكانت ــ كما قال الله ــ كبيرةً إلا على الذين هدى الله، وكانت محنةً من الله امتحن بها عبادَه ليرى من يتَّبع الرسولَ منهم ممن ينقلب على عقبَيه.
ولمّا كان أمرُ القبلة وشأنُها عظيمًا وطَّأَ سبحانه قبلها أمرَ النسخ وقُدرتَه عليه، وأنه يأتي بخيرٍ من المنسوخ أو مثلِه (١)، ثم عقَّب ذلك بالتوبيخ لمن تَعَنَّت رسولَه ولم يَنْقَدْ له، ثم ذكر بعده اختلافَ اليهود والنصارى وشهادةَ بعضهم على بعضٍ بأنهم ليسوا على شيء، وحذَّر عبادَه من موافقتهم واتِّباع أهوائهم، ثم ذكر كفرَهم وشركَهم به وقولَهم: إن له ولدًا، سبحانه وتعالى عما يقولون.
ثم أخبر أن له المشرق والمغرب وأينما يولي عبادُه وجوهَهم فثَمَّ وجهُه، وهو الواسع العليم، فلِعَظَمته وسعته وإحاطته أينما توجَّه العبدُ فثَمَّ وجه الله.
ثم أخبر أنه لا يسأل رسوله عن أصحاب الجحيم الذين لا يتابعونه ولا
(١) وذلك في قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦]، وكذلك سيشير المؤلف إلى الآيات التي بعدها إلى الآية (١٣٤) التي تليها آياتُ تحويل القبلة.