للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقتسمان الباقي، ولو شُرِط (١) ذلك في المزارعة فسدت عندهم، فلم يُجْرُوا البذرَ مجرى رأسِ المال، بل أجروه مجرى سائر المُغَلِّ (٢)، فبَطَل إلحاقُ المزارعة بالمضاربة على أصلهم.

وأيضًا: فإن البذر جارٍ مجرى الماء ومجرى المنافع، فإن الزرع لا يتكوَّن وينمو به وحدَه، بل لا بد من السَّقْيِ والعملِ، والبذرُ يموت في الأرض وينشئ اللهُ (٣) الزرعَ من أجزاءٍ أُخَرَ تكون معه من الماء والريح والشمس والتراب والعمل، فحكم البذر حكم هذه الأجزاء.

وأيضًا: فإن الأرض نظيرُ رأس المال في القِراض (٤)، وقد دفعها مالكُها إلى المزارع، وبذرُها وحرثها وسقيها نظيرُ عملِ المضارب؛ وهذا يقتضي أن يكون المُزارع أولى بالبذر من رب الأرض تشبيهًا له بالمضارب، فالذي جاءت به السنة هو الصواب الموافق لقياس الشرع وأصولِه.

وفي القصة دليل على جواز عقد الهدنة مطلقًا من غير توقيتٍ بل ما شاء الإمام، ولم يجئ بعد ذلك ما ينسخ هذا الحكم البتة، فالصوابُ جوازه وصحته، وقد نص عليه الشافعيُّ في رواية المُزَني (٥)، ونصَّ عليه غيرُه من الأئمة؛ ولكن لا يَنهض إليهم ويحاربهم حتى يُعْلِمَهم على سواءٍ ليستووا هم وهو في العلم بنقض العهد.


(١) م، ق، ب: «شَرَطا».
(٢) أي الغَلَّة. وفي المطبوع: «البقل»، تحريف.
(٣) لفظ الجلالة ليس في ص، ع. واستُدرك في هامش ز بخط مغاير.
(٤) القراض بلغة أهل الحجاز هو المضاربة.
(٥) انظر: «مختصر المزني» مع شرحه «الحاوي الكبير» للماوردي (١٤/ ٣٥٢).