للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها دليل على جواز تقرير (١) المُتَّهَم بالعقوبة، وأن ذلك من السياسة الشرعية، فإن الله سبحانه كان قادرًا على أن يَدُلَّ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - على موضع الكنز بطريق الوحي، ولكن أراد أن يسنَّ للأمة عقوبةَ المتَّهمين ويوسِّعَ لهم طرقَ الأحكام رحمةً بهم وتيسيرًا لهم.

وفيها دليل على الأخذ بالقرائن في الاستدلال على صحة الدعوى وفسادها، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لسَعْية لمَّا ادعى نفاد المال: «العهد قريب، والمال أكثر من ذلك».

وكذلك فعل نبيُّ الله سليمان بن داود في استدلاله بالقرينة على تعيين أمِّ الطفل الذي ذهب به الذئب، وادَّعت كلُّ واحدةٍ من المرأتين أنه ابنها (٢) واختصما (٣) في الآخَر، فقضى به داودُ للكبرى، فخرجتا على سليمان فقال: بِمَ قضى بينكما نبيُّ الله؟ فأخبرتاه، فقال: ايتُوني بالسكين أشقُّه بينكما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمُك (٤) الله، هو ابنها؛ فقضى به لها (٥)؛ فاستدل بقرينة الرحمة والرأفة التي في قلبها، وعدمِ سماحتها بقتله، وسماحة الأخرى بذلك لتصير أسوتها في فَقْد الولد= على أنه ابن الصغرى.


(١) في النسخ المطبوعة: «تعزير»، خطأ مخالف للأصول، والمراد: جواز استخراج الإقرار من المتّهم بالعقوبة. وانظر مثل هذه العبارة أيضًا في «بدائع الفوائد» (٣/ ١٠٣٧) و «الطرق الحكمية» (١/ ١٤).
(٢) كذا في الأصول، والمعنى أن الذي بقي ابنها.
(٣) كذا في الأصول، والوجه: «اختصمتا».
(٤) ص، ج، ن: «رحمك»، والمثبت لفظ «الصحيحين».
(٥) م، ق، ب، ث: «للصغرى». والقصة في البخاري (٣٤٢٧، ٦٧٦٩) ومسلم (١٧٢٠) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.