للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلو اتفقت مثلُ هذه القضية (١) في شريعتنا، فقال أصحاب أحمد والشافعي ومالك: عُمِل (٢) فيها بالقافة، وجعلوا القافةَ سببًا لترجيح المدعي للنسب رجلًا كان أو امرأةً. قال أصحابنا: وكذلك لو وَلَدتْ مسلمة وكافرة ولدَين وادعت الكافرةُ ولدَ المسلمة؛ وقد سئل عنها أحمد فتوقف فيها، فقيل له: ترى القافة؟ فقال: ما أحسنَه (٣)!

فإن لم توجد قافة وحكم بينهما حاكم بمثل حكمِ سليمانَ لكان صوابًا وكان أولى من القرعة، فإن القرعة إنما يُصار إليها إذا تساوى المدَّعيان من كل وجهٍ ولم يَرْجَحْ أحدُهما على الآخر؛ فلو ترجَّح بيدٍ، أو شاهدٍ واحد، أو قرينةٍ ظاهرة من لوث، أو نكولِ خصمه عن اليمين، أو موافقةِ شاهد الحال لصدقه، كدعوى كلِّ واحد من الزوجين ما يصلح له من قماش البيت وآلاته (٤)، ودعوى كلِّ واحد من الصانِعَين آلاتِ صَنعته، ودعوى حاسر الرأس عن العمامة عمامةَ من بيده عمامةٌ وهو يشتدُّ عَدْوًا وعلى رأسه أخرى، ونظائر ذلك= قُدِّم ذلك كلُّه على القرعة.

ومن تراجم أبي عبد الرحمن النسائي على قصة سليمان هذه: «باب الحاكم يوهم خلاف الحق ليستعلم به الحق» (٥). والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقصَّ علينا هذه القصة


(١) ص، ز، ج، ن: «القصّة».
(٢) م، ق، ب، ث: «يُحكَم».
(٣) م، ق، ب، ث: «أحسنها»، والمثبت موافق للفظ «المغني» (٨/ ٣٨١).
(٤) ص، ز، ن: «والآنية».
(٥) الظاهر أن المؤلف كتبه من حفظه، ولفظه في «السنن الكبرى» مترجمًا به على الحديث (٥٩١٩): «التوسعة للحاكم في أن يقول للشيء الذي لا يفعله: أفعل، ليستبين به الحق». وبنحوه في «المجتبى» على الحديث (٥٤٠٣).