للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اختلف الفقهاء في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُدفَن شهداءُ أحدٍ في ثيابهم (١) هل هو على وجه الاستحباب والأولويَّة أو على جهة الوجوب؟ على قولين، الثاني أظهرهما وهو المعروف عن أبي حنيفة، والأول هو المعروف عن أصحاب الشافعي وأحمد (٢).

فإن قيل: فقد روى يعقوب بن شيبة وغيره (٣) بإسناد جيد أن صفيَّةَ أرسلت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوبين ليكفِّنَ فيهما حمزة، فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر رجلًا آخر.

قيل: حمزة كان الكفار قد (٤) سَلَبوه ومَثَّلُوا به، وبقروا عن بطنه واستخرجوا كبده؛ فلذلك كُفِّن في كفن آخر (٥).

وهذا القول في الضعف نظيرُ قولِ مَن قال: يغسل الشهيد؛ وسنةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى بالاتباع.


(١) صحّ الأمر بذلك في حديث عبد الله بن ثعلبة عند أحمد (٢٣٦٥٧) وغيره، وقد تقدم (٢/ ٢٩٩).
(٢) انظر: «المبسوط» (٢/ ٥٠)، و «الأم» (٢/ ٥٩٦) و «روضة الطالبين» (٢/ ١٢٠)، و «المغني» (٣/ ٤٧١)، ولكن قال المرداوي في «الإنصاف» (٦/ ٩٤): «والصحيح من المذهب أنه يجب دفنه فى ثيابه التى قتل فيها؛ نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب».
(٣) أخرجه أحمد (١٤١٨) والبيهقي في «السنن» (٣/ ٤٠١) من طريقين عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير موصولًا بنحوه. وأخرجه ابن أبي شيبة (١١١٧٢) والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢٨٩) عن هشام عن أبيه مرسلًا.
(٤) «قد» سقطت من م، ق، ب، ث.
(٥) ويدل عليه ما جاء في الحديث عند أحمد من قول الزبير: «فجئنا بالثوبين لنكفِّن فيهما حمزة، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل قد فُعِل به كما فُعِل بحمزة». يعني: من المُثلة والسلب ونحوه.