يوجب حدًّا أو قصاصًا لم يعذه الحرم ولم يمنع من إقامته عليه فكذلك إذا أتاه خارجه ثم لجأ إليه إذ كونُه حرمًا بالنسبة إلى عصمته لا يختلف بين الأمرين، وبأنه حيوان أبيح قتله لفساده فلم يفترق الحال بين قتله لاجئًا إلى الحرم وبين كونه قد أوجب ما يبيح قتلَه فيه، كالحيَّة والحِدأة والكلب العقور، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«خمسٌ فواسقُ يُقتَلن في الحلِّ والحرم»(١)، فنبَّه بقتلهن في الحل والحرم على العلة وهي فسقهن، ولم يجعل التجاءهن إلى الحرم مانعًا من قتلهن، فكذلك فاسق بني آدم الذي قد استوجب القتل.
قال الأولون: ليس في هذا ما يعارض ما ذكرنا من الأدلة، ولا سيما قولَه تعالى:{دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ}[آل عمران: ٩٧]، وهذا إما خبر بمعنى الأمر لاستحالة الخُلفِ في خبره تعالى، وإما خبر عن شرعه ودينه الذي شرعه في حرمه، وإما إخبار عن الأمر المعهود المستمر في حرمه في الجاهلية والإسلام، كما قال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}[العنكبوت: ٦٧]، وقولهِ تعالى:{وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ}[القصص: ٥٧]، وما عدا هذا من الأقوال الباطلة فلا يلتفت إليه كقول بعضهم: من دخله كان آمنًا من النار، وقولِ بعضهم: كان آمنًا من الموت على غير الإسلام ونحو ذلك، فكم ممَّن دخله وهو في قعر الجحيم!
وأما العمومات الدالة على استيفاء الحدود والقصاص في كل زمان ومكان، فيقال أولًا: لا تعرُّض في تلك العمومات لزمان الاستيفاء ولا مكانه،
(١) أخرجه البخاري (٣٣١٤) ومسلم (١١٩٨) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.