للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حرم المتعة، وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر» (١)، كما قاله سفيان بن عيينة وعليه أكثر الناس، فروى الأمرين محتجًّا عليه بهما، لا مقيدًا لهما بيوم خيبر، والله الموفق.

ولكن هاهنا نظر آخر، وهو: أنه هل حرَّمها تحريمَ الفواحش التي لا تباح بحال، أو حرَّمها عند الاستغناء عنها وأباحها للمضطر؟ هذا هو الذي نظر فيه ابن عباس وقال: «أنا أبحتُها للمضطر كالميتة والدم» (٢)، فلما توسَّع فيها مَن توسع ولم يقف عند الضرورة أمسك ابن عباس عن الإفتاء بحلِّها ورجع عنه.

وقد كان ابن مسعود يرى إباحتها ويقرأ: {(٨٦) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ} [المائدة: ٨٧]، ففي «الصحيحين» (٣) عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس لنا نساء فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: {(٨٦) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ}.

وقراءة عبد الله هذه الآية عقيب هذا الحديث يحتمل أمرين:

أحدهما: الرد على من يحرمها، وأنها لو لم تكن من الطيبات لما أباحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

والثاني: أن يكون أراد آخِر الآية، وهو الرد على من أباحها مطلقًا، وأنه


(١) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٧/ ٢٠٢) من طريق سفيان بن عيينة.
(٢) سبق تخريجه (ص ٤١٤).
(٣) البخاري (٤٦١٥، ٥٠٧٥) ومسلم (١٤٠٤).