للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عينه قوَّةٌ سمِّيَّةٌ تتَّصل بالمَعِين، فيتضرَّر. قالوا: ولا يستنكر هذا كما لا يستنكر انبعاث قوَّةٍ سمِّيَّةٍ من الأفعى تتَّصل بالإنسان، فيهلك. وهذا أمرٌ قد اشتهر عن نوعٍ من الأفاعي: أنَّها إذا وقع بصرها على الإنسان هلَك، فكذلك العائن.

وقالت فرقةٌ أخرى: لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض النَّاس جواهرُ لطيفةٌ غيرُ مرئيَّةٍ، فتتَّصل بالمعين، وتتخلَّل مسامَّ جسمه، فيحصل له الضَّرر.

وقالت فرقةٌ أخرى: قد أجرى الله العادة بخلق ما يشاء من الضَّرر عند مقابلة عين العائن لمن يَعينه، من غير أن يكون منه سببٌ ولا قوَّةٌ (١) ولا تأثيرٌ أصلًا (٢). وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى والتَّأثيرات في العالم. وهؤلاء قد سدُّوا على أنفسهم باب العلل والتَّأثيرات والأسباب، وخالفوا العقلاء أجمعين.

ولا ريب أنَّ الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوًى وطبائع مختلفةً، وجعل في كثيرٍ منها خواصَّ وكيفيَّاتٍ مؤثِّرةً. ولا يمكن العاقلَ (٣) إنكارُ تأثير الأرواح في الأجسام، فإنَّه أمرٌ مشاهدٌ محسوسٌ. وأنت ترى الوجه كيف يحمرُّ حمرةً شديدةً، إذا نظر إليه مَن يحتشمه، فاستحيا منه! ويصفرُّ صفرةً شديدةً عند نظر من يخافه إليه! وقد شاهد النَّاس من يسقَم من النَّظر،


(١) ن: «منه قوة ولا سبب»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) قال القاضي في «إكمال المعلم» (٧/ ٨٢): «وهكذا مذهب أهل السنة»، يعني: الأشاعرة.
(٣) هذه العربية الفصيحة لم تعجب الشيخ الفقي، فغيَّره إلى «لعاقل»، وقلدته طبعة الرسالة.