للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتضعف قواه؛ وهذا كلُّه بواسطة تأثير الأرواح. ولشدَّة ارتباطها بالعين يُنسَب الفعلُ إليها، وليست هي الفاعلة، وإنَّما التَّأثير للرُّوح.

والأرواح مختلفةٌ في طبائعها وقواها وكيفيَّاتها وخواصِّها. فروحُ الحاسد مؤذيةٌ للمحسود أذًى بيِّنًا، ولهذا أمر الله سبحانه رسولَه أن يستعيذ به من شرِّه. وتأثيرُ الحاسد في أذى المحسود أمرٌ لا ينكره إلا من هو خارجٌ عن حقيقة الإنسانيَّة. وهو أصل الإصابة بالعين، فإنَّ النَّفس الخبيثة الحاسدة تتكيَّف بكيفيَّةٍ خبيثةٍ مقابلَ (١) المحسود، فتؤثِّر فيه بتلك الخاصِّيَّة. وأشبَهُ الأشياء بهذا: الأفعى، فإنَّ السَّمَّ كامنٌ فيها بالقوَّة، فإذا قابلت عدوَّها انبعثت منها قوَّةٌ غضبيَّةٌ، وتكيَّفت نفسُها (٢) بكيفيَّةٍ خبيثةٍ مؤذيةٍ. فمنها: ما تشتدُّ كيفيَّتها وتقوى حتَّى تؤثِّر في إسقاط الجنين. ومنها: ما يؤثِّر في طمس البصر، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الأبتر وذي الطُّفْيتين من الحيَّات: «إنَّهما يلتمسان البصر، ويُسْقِطان الحَبَل» (٣). ومنها: ما يؤثِّر في الإنسان كيفيَّتُها بمجرَّد الرُّؤية، من غير اتِّصالٍ به، لشدَّة خبث تلك النَّفس وكيفيَّتها الخبيثة المؤثِّرة.

والتَّأثير غير موقوفٍ على الاتِّصالات الجسميَّة، كما يظنُّه مَن قلَّ علمه ومعرفته بالطَّبيعة والشَّريعة. بل التَّأثير يكون تارةً بالاتِّصال، وتارةً


(١) ما عدا الأصل: «تقابل»، وأراه تصحيفًا لا يستقيم به السياق. ومن ثم أثبتوا في طبعة عبد اللطيف: «وتقابل» ليعود الضمير على النفس. انظر قول المؤلف في «بدائع الفوائد» (٢/ ٧٥٢): «فالعائن تتكيَّف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته».
(٢) «نفسها» ساقط من طبعة الرسالة.
(٣) أخرجه مسلم (٢٢٣٣) من حديث ابن عمر، واللفظ لأبي داود (٥٢٥٢) وابن ماجه (٣٥٣٥).