للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه أمرٌ آخر. وهو وصول أثر الغسل إلى القلب من أرقِّ المواضع وأسرعها تنفيذًا، فيطفئ تلك النَّاريَّة والسَّمِّيَّة بالماء، فيشفى المَعِين. وهذا كما أنَّ ذوات السُّموم إذا قُتِلت بعد لَسْعها خفَّ أثرُ اللَّسعة عن الملسوع ووجَد راحةً، فإنَّ أنفُسَها تُمِدُّ أذاها بعد لسعها، وتُوصِله إلى الملسوع، فإذا قُتِلت خفَّ الألم. وهذا مشاهَد. وإن كان من أسبابه: فرحُ الملسوع، واشتفاءُ نفسه بقتل عدوِّه؛ فتقوى الطَّبيعة على الألم، فتدفعه.

وبالجملة، غسلُ العائنُ (١) يُذْهِب تلك الكيفيَّة الَّتي ظهرت منه. وإنَّما ينفع غسلُه عند تكيُّف نفسه بتلك الكيفيَّة.

فإن قيل: فقد ظهرت مناسبة الغسل، فما مناسبة صبِّ ذلك الماء على المَعِين؟

قيل: هو في غاية المناسبة. فإنَّ ذلك الماء ماءٌ طفَّى (٢) به تلك النَّاريَّةَ وأبطل تلك الكيفيَّة الرَّديَّة من الفاعل، فكما طُفِّيت به النَّاريَّة القائمة بالفاعل طُفيِّت به وأُبطِلت عن المحلِّ المتأثِّر بعد ملابسته للمؤثِّر العائن. والماء الذي يطفَّى فيه (٣) الحديد يدخل في أدويةٍ عدَّةٍ طبيعيَّةٍ ذكرها الأطبَّاء، فهذا الذي طُفِّي به ناريَّة العائن لا يستنكر أن يدخل في دواءٍ يناسب هذا الدَّاء.

وبالجملة: فطبُّ الطَّبائعيَّة وعلاجهم بالنِّسبة إلى العلاج النَّبويِّ كطبِّ الطُّرقيَّة بالنِّسبة إلى طبِّهم بل أقلُّ، فإنَّ التَّفاوت الذي بينهم وبين الأنبياء أعظم


(١) ز: «المغابن»، تصحيف.
(٢) كذا في جميع النسخ بالتسهيل، وقد سبق مثله. وفي ث، ل: «أطفى». وفي ن: «الماء لما طفى».
(٣) ما عدا ف، حط، د: «به».