للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رأيتُ الذُّنوبَ تميت القلوب ... وقد يورث الذُّلَّ إدمانُها

وتركُ الذُّنوبِ حياةُ القلوب ... وخيرٌ لنفسك عصيانُها

فالهوى أكبر أدوائها، ومخالفتُه أعظم أدويتها. والنَّفس في الأصل خُلِقت جاهلةً ظالمةً، فهي لجهلها تظنُّ شفاءها في اتِّباع هواها، وإنَّما فيه تلفها وعطبها؛ ولظلمها لا تقبل من الطِّبيب النَّاصح، بل تضع الدَّاء موضع الدَّواء فتعتمده، وتضع الدَّواء موضع الدَّاء فتجتنبه. فيتولَّد من بين إيثارها للدَّاء (١) واجتنابها للدَّواء أنواعٌ من الأسقام والعلل الَّتي تُعْيي الأطبَّاءَ ويتعذَّر معها الشِّفاء.

والمصيبة العظمى أنَّها تُركِّب ذلك على القدر، فتبرِّئ نفسها، وتلوم ربَّها بلسان الحال دائمًا. ويقوى اللَّوم حتَّى يصرِّح به اللِّسان. وإذا وصل العليل إلى هذه الحال، فلا تطمع (٢) في برئه إلا أن تتداركه (٣) رحمةٌ من ربِّه، فيحييه حياةً جديدةً، ويرزقه طريقةً حميدةً.

فلهذا كان حديث ابن عبَّاسٍ في دعاء الكرب مشتملًا على توحيد الإلهيَّة والرُّبوبيَّة، ووصفِ الرَّبِّ سبحانه بالعظمة والحلم. وهاتان الصِّفتان مستلزمتان لكمال القدرة والرَّحمة والإحسان والتَّجاوز، ووصفِه بكمال ربوبيَّته للعالم العلويِّ والسُّفليِّ والعرشِ الذي هو سقفُ المخلوقات


(١) س، د: «الداء».
(٢) ز، س، ل: «يطمع»، وقد غيَّره بعضهم في س إلى «مطمع».
(٣) س، ل، د: «يتداركه».