للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت زينب فيها شَمَمٌ وترفُّعٌ عليه، فشاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلاقها، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ}، وأخفى في نفسه أن يتزوَّجَها إن طلَّقها زيد. وكان يخشى من قالة النَّاس أنَّه تزوَّج امرأة ابنه، لأنَّ زيدًا كان يدعى ابنَه، فهذا هو الذي أخفاه في نفسه، وهذه هي الخشية من النَّاس الَّتي وقعت له (١).

ولهذا ذكر الله سبحانه هذه الآية يعدِّد فيها نعمَه عليه, لا يعاتبه فيها. وأعلمه أنَّه لا ينبغي له أن يخشى النَّاسَ فيما أحلَّ الله له، وأنَّ الله أحقُّ أن يخشاه فلا يتحرَّج ما أحلَّه له لأجل قول النَّاس. ثمَّ أخبره أنَّه سبحانه زوَّجه إيَّاها بعد قضاء زيدٍ وطرَه منها، لتقتدي أمَّته به في ذلك، ويتزوَّج الرَّجلُ بامرأة ابنه من التَّبنِّي، لا امرأة ابنه لصلبه.

ولهذا قال في آية التَّحريم: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: ٢٣]. وقال في هذه السُّورة: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: ٤٠]. وقال في أوَّلها: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} [الأحزاب: ٤]، فتأمَّل هذا الذَّبَّ عن رسوله (٢)، ودفعَ طعن الطَّاعنين عنه. وباللَّه التَّوفيق.

نعم، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحبُّ نساءه، وكان أحبَّهنُّ إليه عائشة ولم تكن تبلغ محبَّتُه لها ولا لأحدٍ سوى ربِّه نهايةَ الحبِّ، بل صحَّ عنه (٣) أنَّه قال: «لو


(١) وانظر: «الداء والدواء» (ص ٥٢٨، ٥٥٥ - ٥٥٦).
(٢) ن: «رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».
(٣) «عنه» ساقط من حط، ن.