للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كنت متَّخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتَّخذتُ أبا بكرٍ خليلًا» (١). وفي لفظٍ: «وإنَّ صاحبكم خليل الرَّحمن» (٢).

فصل

وعشق الصُّور إنَّما تبتلى به القلوب الفارغة من محبَّة الله، المعرضةُ عنه، المتعوِّضةُ بغيره عنه. فإذا امتلأ القلب من محبَّة الله والشَّوق إلى لقائه دفع ذلك عنه مرضَ عشق الصُّور. ولهذا قال تعالى في حقِّ يوسف: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخَلِصِينِ (٣)} [يوسف: ٢٤] فدلَّ على أنَّ الإخلاص سببٌ لدفع العشق وما يترتَّب عليه من السُّوء والفحشاء الَّتي هي ثمرته ونتيجته، فصرفُ المسبَّب صرفٌ لسببه. ولهذا قال بعض السَّلف: العشق حركة قلبٍ فارغٍ (٤)، يعني فارغًا ممَّا سوى معشوقه.


(١) أخرجه البخاري (٤٦٦) ومسلم (٨٣٨٢) من حديث أبي سعيد الخدري. واللفظ المذكور هنا لمسلم (٢٣٨٣) من حديث ابن مسعود، وفيه: «لاتخذت ابن أبي قحافة خليلًا».
(٢) كذا ذكره المصنف في «جلاء الأفهام» (ص ٣١٩) و «روضة المحبين» (ص ٧٦). ولفظ مسلم في حديث ابن مسعود السابق: « ... خليل الله». وانظر: «المفهم» للقرطبي (٢/ ٤٢).
(٣) «المخلصين» بكسر اللام على قراءة أبي عمرو، وعلى هذه بنى المصنف قوله الآتي. وانظر نحوه في «الداء والدواء» (ص ٤٩١) و «إغاثة اللهفان» (٢/ ٨٦٦، ٨٧٨) و «الفوائد» (ص ١١٧) و «مفتاح دار السعادة» (١/ ١٩٨).
(٤) في «روضة المحبين» (ص ١٤٤): «ولهذا قيل ... ». ولم أقف على من قاله من السلف، ولكنه مشهور من قول ذيوجانس الكلبي. ولفظه في «لباب الآداب» لابن منقذ (ص ٤٤١): «شغل قلب فارغ لا هم له». وفي «مختار الحكم» لأبي الوفاء (ص ٧٧): «مرض رجل فارغ لا همة له». وفي «الواضح المبين» لمغلطاي (ص ٤٥): «سوء اختيار صادف نفسًا فارغة». وانظر: «التمثيل والمحاضرة» (ص ٣٩٨) و «بهجة المجالس» (١/ ٨١٧). ونحوه قول أرسطو في «الواضح المبين» (ص ٤٥). ولعل الطبيب الحاذق الذي سأله ابن عائشة عن العشق فقال: «شغل قلب فارغ» حكى قول ذيوجانس. انظر: «مصارع العشاق» (١/ ١٢٤).