قال تعالى:{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ}[القصص: ١٠] أي فارغًا من كلِّ شيءٍ إلا من موسى، لفرط محبَّتها له وتعلُّق قلبها به.
والعشق مركَّبٌ من أمرين: استحسانٍ للمعشوق، وطمعٍ في الوصول إليه؛ فمتى انتفى أحدهما انتفى العشق.
وقد أعيت علَّة العشق على كثيرٍ من العقلاء وتكلَّم فيها بعضهم بكلامٍ يُرغَب عن ذكره إلى الصَّواب، فنقول:
قد استقرَّت حكمة الله عزَّ وجلَّ في خلقه وأمره على وقوعِ التَّناسب والتَّآلف بين الأشباه، وانجذابِ الشَّيء إلى موافقه ومجانسه بالطَّبع، وهروبِه من مخالفه ونفرته عنه بالطَّبع. فسرُّ التَّمازج والاتِّصال في العالم العلويِّ والسُّفليِّ إنَّما هو التَّناسب والتَّشاكل والتَّوافق، وسرُّ التَّباين والانفصال إنَّما هو بعدم التَّشاكل والتَّناسب، وعلى ذلك قام الخلق والأمر. فالمثلُ إلى مثله مائل وإليه صائر. والضِّدُّ عن ضدِّه هارب، وعنه نافر. وقد قال تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[الأعراف: ١٨٩]، فجعل سبحانه علَّة سكون الرَّجل إلى امرأته كونَها من جنسه وجوهره. فعلَّة السُّكون المذكور ــ وهو الحبُّ ــ كونُها منه، فدلَّ على أنَّ العلَّة ليست بحسن الصُّورة ولا الموافقة في القصد والإرادة ولا في الخُلق والهَدْي، وإن كانت