للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه أيضًا من أسباب السُّكون والمحبَّة (١).

وقد ثبت في الصَّحيح عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «الأرواح جنودٌ مجنَّدةٌ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» (٢). وفي «مسند الإمام أحمد» (٣) وغيره في سبب هذا الحديث: أنَّ امرأةً بمكَّة كانت تُضحك النَّاس، فجاءت إلى المدينة، فنزلت على امرأةٍ تُضحك النَّاس، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الأرواح جنودٌ مجنَّدةٌ» الحديث.

وقد استقرَّت شريعته سبحانه أنَّ حكم الشَّيء حكمُ مثله، فلا تفرِّق شريعته بين متماثلين أبدًا، ولا تجمع بين متضادَّين. ومن ظنَّ خلاف ذلك فإمَّا لقلَّة علمه بالشَّريعة، وإمَّا لتقصيره في معرفة التَّماثل والاختلاف، وإمَّا


(١) أصل هذا التقرير كلام ابن حزم في «طوق الحمامة» (ص ٩٤). وانظر: «روضة المحبين» (ص ١١٧ - ١١٨) وقد نقل هناك نصَّ كلامه.
(٢) أخرجه البخاري (٣٣٣٦) عن عائشة - رضي الله عنها -، ومسلم (٢٦٣٨) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٣) لم أقف عليه في «مسند الإمام أحمد». وأخرجه الزُّبير بن بكَّار في «المزاح والمفاكهة» ــ كما في «المقاصد الحسنة» (ص ١٠٤) ــ من طريق عليِّ بن أبي طالب اللَّهبيِّ، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنَّ امرأةً كانت بمكَّة تدخل على نساء قريش تضحكهنَّ، فلمَّا هاجرت ووسَّع الله تعالى دخلت المدينة، قالت عائشة: فدخلت عليَّ، فقالت لها فلانة: ما أقدمك؟ قالت: إليكنَّ، قلت: فأين نزلتِ؟ قالت: على فلانة، امرأة كانت تُضحِك بالمدينة، قالت عائشة: ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «فلانة المضحِكَة عندكم؟»، قالت عائشة: نعَم، فقال: «فعلى من نزلَت؟»، قالت: على فلانة المضحِكة، قال: «الحمد لله، إنَّ الأرواح» وذكره، قال السَّخاويُّ: «أفادت هذه الرِّواية سبب هذا الحديث». وأخرج أبو يعلى (٤٣٨١) والبيهقيُّ في «الشُّعب» (٨٦٢١) هذه القصَّة، لكن فيهما استشهاد عائشة بالحديث، وليس أنَّها سبب الورود.