للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلوب أتباعهم كانت محبَّتهم لهم فوق محبَّة الأنفس والأهل والمال.

فصل

والمقصود: أنَّ العشق لمَّا كان مرضًا من الأمراض كان قابلًا للعلاج. وله أنواعٌ من العلاج:

فإن كان ممَّا للعاشق سبيلٌ إلى وصل محبوبه شرعًا وقدرًا، فهو علاجه؛ كما ثبت في «الصَّحيحين» (١) من حديث ابن مسعودٍ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر الشَّباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج. ومن لم يستطع فعليه بالصَّوم، فإنَّه له وجاءٌ». فدلَّ المحبَّ على علاجين: أصليٍّ وبدليٍّ. وأمره بالأصليِّ، وهو العلاج الذي وُضِعَ لهذا الدَّاء، فلا ينبغي العدول عنه إلى غيره ما وجد إليه سبيلًا.

وروى ابن ماجه في «سننه» (٢) عن ابن عبَّاسٍ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «لم يُرَ للمتحابَّين مثلُ النِّكاح». وهذا هو المعنى الذي أشار إليه سبحانه عقيبَ إحلال النِّساء حرائرهنَّ وإمائهنَّ عند الحاجة بقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: ٢٨]. فذكرُ تخفيفه ــ سبحانه ــ في هذا الموضع وإخبارُه عن ضعف الإنسان يدلُّ على ضعفه عن احتمال هذه الشَّهوة وأنَّه سبحانه خفَّف عنه أمرَها، بما أباحه له من أطايب النِّساء مثنى وثلاث ورباع، وأباح له ما شاء ممَّا ملكت يمينه. ثمَّ أباح له أن يتزوَّج بالإماء إن احتاج إلى ذلك علاجًا لهذه الشَّهوة، وتخفيفًا عن هذا الخلق الضَّعيف


(١) البخاري (٥٠٦٥) ومسلم (١٤٠٠)، وقد تقدم.
(٢) برقم (١٨٤٧). تقدَّم تخريجه، وبيانُ أنَّ الصَّواب فيه الإرسال.