للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورحمةً به (١).

فصل

وإن كان لا سبيل للعاشق إلى وصال معشوقه قدرًا أو شرعًا، أو هو ممتنعٌ عليه من الجهتين (٢) ــ وهو الدَّاء العضال ــ فمن علاجه: إشعارُ نفسه اليأسَ منه، فإنَّ النَّفس متى يئست من الشَّيء استراحت منه ولم تلتفت إليه. فإن لم يزل مرض العشق مع اليأس، فقد انحرف الطَّبع انحرافًا شديدًا، فينتقل إلى علاجٍ آخر. وهو علاج عقله بأن يعلم أنَّ (٣) تعلُّق القلب بما لا مطمع في حصوله نوعٌ من الجنون، وصاحبُه بمنزلة من يعشق الشَّمسَ، وروحُه متعلِّقةٌ بالصُّعود إليها والدَّوران معها في فلكها. وهذا معدودٌ عند جميع العقلاء في زمرة المجانين.

وإن كان الوصال متعذِّرًا شرعًا لا قدرًا، فعلاجه بأن ينزِّله منزلة المتعذِّر قدرًا، إذ ما لم يأذن فيه اللَّه فعلاج العبد ونجاته موقوفٌ على اجتنابه. فليُشعِر نفسَه أنَّه معدومٌ ممتنعٌ لا سبيل له إليه، وأنَّه بمنزلة سائر المحالات.

فإن لم تجبه النَّفس الأمَّارة فليتركه لأحد أمرين (٤): إمَّا خشيةً، وإمَّا فواتَ محبوبٍ (٥) هو أحبُّ إليه، وأنفع له، وخيرٌ له منه، وأدوم لذَّةً وسرورًا؛


(١) وانظر: «الداء والدواء» (ص ٥٥٢ - ٥٥٤) و «روضة المحبين» (ص ٢٩٩).
(٢) العبارة «فإذا كان سبب العشق ما ذكرتم» في الفصل السابق إلى هنا ساقطة من (حط).
(٣) في النسخ المطبوعة: «بأن».
(٤) حط: «سببين».
(٥) كذا في الأصل وسائر النسخ الخطية والمطبوعة. وأخشى أن يكون الصواب: «إمَّا خشيةً من فوات محبوبٍ». والأمر الثاني مذكور في الفقرة الآتية: «الثاني: حصول مكروه» يعني: وإما خشيةً من حصول مكروه. وجمعهما في الفقرة التي بعد «الثاني»: «بل يجتمع له الأمران».