للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنَّ العاقل متى وازن بين نيل محبوبٍ سريع الزَّوال بفوات محبوبٍ أعظمَ منه وأدومَ وأنفعَ وألذَّ أو بالعكس ظهر له التَّفاوتُ. فلا يَبِعْ (١) لذَّة الأبد الَّتي لا خطَر لها (٢)، بلذَّة ساعةٍ تنقلب آلامًا، وحقيقتها أنَّها أحلام نائمٍ، أو خيالٌ لا ثبات له. فتذهب اللَّذَّة، وتبقى التَّبعة. وتزول الشَّهوة، وتبقى الشِّقوة (٣).

الثَّاني: حصول مكروهٍ أشقَّ عليه من فوات هذا المحبوب.

بل يجتمع له الأمران، أعني: فواتَ ما هو أحبُّ إليه من هذا المحبوب، وحصولَ ما هو أكره إليه (٤) من فوات هذا المحبوب.

فإذا تيقَّن أنَّ في إعطاء النَّفس حظَّها من هذا المحبوب هذين الأمرين هان عليه تركُه، ورأى أنَّ صبره على فوته أسهل من صبره عليهما بكثيرٍ. فعقله ودينه ومروءته وإنسانيَّته يأمره باحتمال الضَّرر اليسير الذي ينقلب سريعًا لذَّةً وسرورًا وفرحًا، لدفع هذين الضَّررين العظيمين. وجهله وهواه وظلمه وطيشه وخفَّته يأمره بإيثار هذا المحبوب العاجل بما فيه، جالبًا عليه ما جلَب. والمعصومُ مَن عصَم اللَّهُ.

فإن لم تقبل نفسه هذا الدَّواء، ولم تطاوعه لهذه المعالجة، فلينظر ما


(١) في ف: «تبع».
(٢) أي لا عوض عنها، ولا نظير لها. انظر تعليقي على «الداء والدواء» (ص ٨١).
(٣) في الأصل (ف) هنا حاشية نصُّها: «ولقد أحسن من قال:
خفِ الله واحذر من عواقب شهوةٍ ... فلذتها تفنى ويبقى لك الوزرُ»
(٤) س: «له». وكذا أضيف في ن وكان ساقطًا.