للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا تفضيلٌ منه للآهِل بحسب المصلحة والحاجة، وإن لم تكن زَوْجُه مِن ذوي القُربى.

وقد اختلف الفقهاء في الفيء، هل كان ملكًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتصرَّف فيه كيف يشاء، أو لم يكن ملكًا له؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره (١).

والَّذي تدلُّ عليه سُنَّته وهديه أنَّه كان يتصرَّف فيه بالأمر، فيضعه حيث أمره اللَّه، ويقسمه على مَن أُمِر بقسمته عليهم، فلم يكن يتصرَّف فيه تصرُّف المالك بشهوته وإرادته، يعطي مَن أحبَّ ويمنع مَن أحبَّ، وإنَّما كان يتصرَّف فيه تصرُّف العبد المأمور ينفِّذ (٢) ما أمره به سيِّده ومولاه، فيعطي من أُمِر بإعطائه، ويمنع مَن أُمِر بمنعه. وقد صرَّح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا فقال: «واللَّه إنِّي لا أعطي أحدًا ولا أمنعه، إنَّما أنا قاسمٌ أضع حيثُ أُمِرت» (٣)، فكان عطاؤه ومَنْعه وقَسْمه بمجرَّد الأمر، فإنَّ الله سبحانه خيَّره بين أن يكون عبدًا رسولًا، وبين أن يكون مَلِكًا رسولًا، فاختار أن يكون عبدًا رسولًا.

والفرق بينهما: أنَّ العبد الرَّسول لا يتصرَّف إلا بأمر سيِّده ومُرْسله، والمَلِك الرَّسول له أن يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، كما قال تعالى للمَلِك الرَّسول سليمان: {(٣٨) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ} [ص: ٣٩]. أي: أعط


(١) ينظر: «الهداية» (ص ٢٢٠)، و «المغني»: (٩/ ٢٩٩ - ٣٠٠)، و «فتح الباري»: (٦/ ٢٠٨).
(٢) ن، ث: «وينفذ».
(٣) رواه البخاري (٣١١٧) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، بلفظ: «ما أعطيكم ولا أمنعكم، إنما أنا قاسمٌ أضع حيث أُمرْت».