للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صداقها، وهذا هو الذي اختارته أم سُليم من انتفاعها بإسلام أبي طلحة، وبذلها نفسها له إن أسلم، وهذا (١) أحبُّ إليها من المال الذي يبذله الزَّوج.

فإنَّ الصَّداق شُرِع في الأصل حقًّا للمرأة تنتفع به، فإذا رضيت بالعلم والدِّين وإسلام الزَّوج وقراءته للقرآن= كان هذا من أفضل المهور وأنفعها وأجلِّها، فما خلا العقدُ عن مهرٍ، وأين الحكمُ بتقدير المهر بثلاثة دراهم أو عشرةٍ من النَّصِّ والقياس إلى الحكم بصحَّة كون المهر ما ذكرنا نصًّا وقياسًا؟!

وليس هذا مسوِّيًا (٢) بين هذه المرأة وبين الموهوبة التي وهبت نفسَها للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهي خالصةٌ له من دون المؤمنين، فإنَّ تلك وهبت نفسَها هبةً مجرَّدةً عن وليٍّ وصداقٍ، بخلاف ما نحن فيه، فإنَّه نكاحٌ بوليٍّ وصَداقٍ، وإن كان غير ماليٍّ، فإنَّ المرأة جعلته عِوَضًا عن المال لما يرجع إليها من نفعه، ولم تهب نفسَها للزَّوج هبةً مجرَّدةً كهبة شيءٍ من مالها، بخلاف الموهوبة التي خصَّ الله بها رسوله. هذا مقتضى هذه الأحاديث.

وقد خالف في بعضه مَن قال: لا يكون الصَّداق إلا مالًا، ولا تكون منافع الحُرِّ (٣) ولا عِلْمه ولا تعليمه صَداقًا، كقول أبي حنيفة وأحمد في روايةٍ عنه (٤).


(١) ب: «وكان هذا».
(٢) د، م، ط الهندية: «مستويا».
(٣) ط الهندية: «أخر»، وط الفقي والرسالة: «أخرى»، تصحيف.
(٤) ينظر «بدائع الصنائع»: (٢/ ٢٧٧ - ٢٧٨)، و «المغني»: (١٠/ ١٠٣)، و «الإنصاف»: (٨/ ٢٢٩ - ٢٣٠).