للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نقيضين زالَ أحدُهما خلَفَه الآخر.

وأمَّا الآية فليس فيها أنَّ المحاسبةَ بما يخفيه العبدُ إلزامه بأحكامه في الشَّرع (١)، وإنَّما فيها محاسبته بما يبديه أو يخفيه، ثمَّ هو مغفورٌ له أو معذَّبٌ، فأين هذا من وقوع الطَّلاق بالنِّيَّة؟!

وأمَّا أنَّ المصرَّ على المعصية فاسقٌ مؤاخَذٌ، فهذا إنَّما هو فيمن عَمِل المعصيةَ ثمَّ أصرَّ عليها، فهنا عملٌ اتَّصل به العزم على معاودته، فهذا هو المصرُّ، وأمَّا مَن عزم على المعصية ولم يعملها فهو بين أمرين: إمَّا أن لا تُكْتَب عليه، وإمَّا أن تُكتَب (٢) له حسنة إذا تركها لله عزَّ وجلَّ.

وأمَّا الثَّواب والعقاب على أعمال القلوب فحقٌّ، والقرآنُ والسُّنَّة مملوءان به، ولكنَّ وقوع الطَّلاق والعتاق بالنِّيَّة من غير تلفُّظٍ أمرٌ خارجٌ عن الثَّواب والعقاب، ولا تلازم بين الأمرين، فإنَّ ما يعاقب عليه من أعمال القلوب هو معاصٍ قلبيَّةٌ يستحقُّ العقوبة عليها، كما يستحقُّه على المعاصي البدنيَّة إذ هي منافيةٌ لعبوديَّة القلب، فإنَّ الكبر والعُجْب والرِّياء وظنَّ السَّوء محرَّماتٌ على القلب، وهي أمورٌ اختياريَّةٌ يمكن اجتنابها، فيستحقُّ العقوبة على فعلها، وهي أسماءٌ لمعاني (٣) مسمَّياتُها قائمةٌ بالقلب.

وأمَّا الطَّلاق والعتاق فاسمان لمسمَّيين قائمين باللِّسان، أو ما ناب عنه من إشارةٍ أو كتابةٍ، وليسا اسمين لما في القلب مجرَّدًا عن النُّطق.


(١) في المطبوع: «بالشرع» خلاف النسخ.
(٢) ح، م: «يكتب» في الموضعين.
(٣) م: «لها معاني».