للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتضمَّنت (١) أنَّ المكلَّف إذا هَزَل بالطَّلاق أو النِّكاح أو الرَّجعة لزمه ما هَزَل به، فدلَّ ذلك على أنَّ كلام الهازل معتبرٌ وإن لم يُعتَبَر كلام النَّائم والنَّاسي وزائل العقل والمُكْرَه، والفرق (٢) بينهما: أنَّ الهازل قاصدٌ للَّفظ غير مريدٍ لحكمه، وذلك ليس إليه، فإنَّما (٣) إلى المكلَّف الأسباب، وأمَّا ترتُّب مسبَّباتها وأحكامها فهو إلى الشَّارع قصَدَه المكلَّفُ أو لم يقصِدْه، والعبرة بقصده للسبب اختيارًا في حال عقله وتكليفه، فإذا قصَدَه رتَّبَ الشَّارعُ عليه حكمَه جَدَّ به أو هَزَل، وهذا بخلاف النَّائم والمُبَرْسَم (٤) والمجنون والسَّكران وزائل العقل، فإنَّهم ليس لهم قصدٌ صحيحٌ، وليسوا مكلَّفين، فألفاظهم لغوٌ بمنزلة ألفاظ الطِّفل الذي لا يعقل معناها ولا يقصده.

وسرُّ المسألة: الفرق بين من قصَدَ اللَّفظ وهو عالمٌ به ولم يُرِد حكمَه، وبين مَن لم يقصد اللَّفظَ ولم يعلم معناه، فالمراتب التي اعتبرها الشَّارعُ أربعةٌ:

إحداها: أن (٥) يقصد الحكمَ ولم (٦) يتلفَّظ به.


(١) متعلّق بقوله (ص ٢٨٧): «فتضمنت هذه السنن».
(٢) د: «والمفرق».
(٣) ب: «وإنما»، وسقطت «إلى» من ح.
(٤) مَن به مرض البِرسام ــ بكسر الباء ــ معرّب، وهو مرض معروف يصيب الدماغ فيتغير منه عقل الإنسان ويهذي. ينظر «المصباح المنير»: (١/ ٤١)، و «المطلع» (ص ٣٥٣).
(٥) ن، ب، م: «أحدها». وزاد في طبعة الفقي والرسالة: «أن [لا] يقصد»، وهو خطأ وخلاف النسخ.
(٦) ن، و ط الهندية: «ولا».