للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا مجموع (١) ما احتجُّوا به، وليس في شيءٍ منه حجَّةٌ أصلًا.

فأمَّا المأخذ الأوَّل، وهو أنَّه مكلَّفٌ، فباطلٌ، إذ الإجماع منعقدٌ على أنَّ شرط التَّكليف العقل، ومَن لا يعقل ما يقول فليس بمكلَّفٍ.

وأيضًا فلو كان مكلَّفًا، لوجب أن يقع طلاقه إذا كان مكرَهًا على شربها، أو غير عالمٍ بأنَّها خمرٌ، وهم لا يقولون به.

وأمَّا خطابه، فيجب حمله على الذي يعقل الخطاب، أو على الصَّاحي، وأنَّه نهي عن السُّكر إذا أراد الصَّلاة، وأمَّا مَن لا يعقل فلا يُؤمر ولا يُنهى.

وأمَّا إلزامه بجناياته، فمحلُّ نزاعٍ لا محلُّ وفاقٍ، فقال عثمان البتَّيُّ (٢): لا يلزمه عقدٌ ولا بيعٌ ولا حدٌّ، إلا حدَّ الخمر فقط، وهذا إحدى الرِّوايتين عن أحمد أنَّه كالمجنون في كلِّ فعلٍ يُعتبر له العقلُ (٣).

والَّذين اعتبروا أفعاله دون أقواله، فرَّقوا بفرقين، أحدهما: أنَّ إسقاط أفعاله ذريعةٌ إلى تعطيل القصاص، إذ كلُّ من أراد قتل غيره أو الزِّنا أو السَّرقة أو الحراب، سكر وفعل ذلك، فيقام عليه الحدُّ إذا أتى جرمًا واحدًا، فإذا تضاعف جرمُه بالسُّكْر كيف يسقط عنه الحدُّ؟ هذا ممَّا تأباه قواعد الشَّريعة وأصولها، وقال أحمد (٤) منكرًا على مَن قال ذلك: وبعضُ مَن يرى طلاق


(١) ط الفقي والرسالة: «هذا جميع» خلاف النسخ.
(٢) ينظر «المحلى»: (١٠/ ٢١٠)، وعنه في «البناية شرح الهداية»: (٥/ ٣٠٠).
(٣) ينظر «مسائل الكوسج» (٣٣٠٣)، و «المغني»: (١٠/ ٣٤٨).
(٤) في رواية أبي الحارث، كما في «زاد المسافر»: (٣/ ٢٩٠ - ٢٩١) لغلام الخلال.