للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١]، وصحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - المبَيِّن عن الله مرادَه من كلامه، أنَّ الطَّلاق المشروع المأذون فيه هو الطَّلاق في زمن الطُّهر الذي لم يُجامَع فيه، أو بعد استبانة الحمل، وما عداهما فليس بطلاقٍ للعدَّة في حقِّ المدخول بها، فلا يكون طلاقًا، فكيف تحرُم المرأةُ به؟

قالوا: وقد قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩]، ومعلومٌ أنَّه إنَّما أراد الطَّلاقَ (١) المأذونَ فيه، وهو الطَّلاق للعِدَّة، فدلَّ على أنَّ ما عداه ليس من الطَّلاق، فإنَّه حَصَر الطَّلاقَ المشروعَ المأذونَ فيه الذي يملك به الرَّجعة في مرَّتين، فلا يكون ما عداه طلاقًا. قالوا: ولهذا كان الصَّحابة يقولون: إنَّهم لا طاقة لهم بالفتوى في الطَّلاق المحرَّم، كما روى ابن وهب، عن جرير بن حازمٍ، عن الأعمش، أنَّ ابنَ مسعودٍ قال: مَن طلَّق كما أمره اللَّه، فقد بيَّن الله له، ومَن خالف، فإنَّا لا نطيق خلافه (٢).

ولو وقع طلاقُ المخالف لم يكن الإفتاء به غير مطاقٍ لهم، ولم يكن للتَّفريق معنًى إذ كان النَّوعان واقعَين نافذَين.


(١) ص، د: «طلاق».
(٢) علَّقه ابن حزم في «المحلى»: (١٠/ ١٦٣) عن ابن وهب به. وأخرجه عبد الرزاق (١١٣٤٢) والطبراني في «الكبير» (٩٦٢٨، ٩٦٢٩) بنحوه، من طريقين عن ابن سيرين عن علقمة عنه، ولفظه: «من طلق كما أمره الله فقد بُيِّن له، ومن لَبَس جعلنا به لَبْسه، والله لا تَلبِسون على أنفسكم ونتحمله عنكم، هو كما تقولون»، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»: (٤/ ٣٣٨): «ورجاله رجال الصحيح». وذكره بنحوه مالك في «الموطأ» (١٥٨٢) بلاغًا عن ابن مسعود.