للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا طلاق الهازل، فإنَّما وقع، لأنَّه صادف محلًّا (١)، وهو طهرٌ لم يجامع فيه فنَفَذ، وكونه هَزَل به إرادةً منه أن لا يترتَّبَ أثرُه عليه، وذلك ليس إليه، بل إلى الشَّارع، فهو قد أتى بالسَّبب التَّامِّ، وأراد أن لا يكون سببه، فلم ينفعه ذلك، بخلاف من طلَّق في غير زمن الطَّلاق، فإنَّه لم يأتِ بالسَّبب الذي نَصَبَه الله سبحانه مُفضيًا إلى وقوع الطَّلاق، وإنَّما أتى بسببٍ من عنده، وجعَلَه هو مفضيًا إلى حكمه، وذلك ليس إليه.

وأمَّا قولكم: إنَّ النِّكاح نعمةٌ، فلا يكون سببه إلا طاعةً بخلاف الطَّلاق، فإنَّه من باب إزالة النِّعم، فيجوز أن يكون سببه معصيةً.

فيقال: وقد يكون الطَّلاق مِن أكبر النِّعم التي يفكُّ بها المطلِّق الغلَّ مِن عُنقه والقيدَ من رجله، فليس كلُّ طلاقٍ نقمةً، بل من تمام نعمة الله على عباده أن مكَّنهم من المفارقة بالطَّلاق إذا أراد أحدهم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ، أو التَّخلُّص ممَّن لا يحبُّها ولا يلائمها، فلم يُرَ للمتحابَّين مثل النِّكاح، ولا للمتباغضين مثل الطَّلاق.

ثمَّ كيف يكون نقمةً (٢) والله تعالى يقول: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: ٢٣٦]، ويقول: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١]؟

وأمَّا قولكم: إنَّ الفروج يُحتاط لها، فنعم، وهكذا قلنا سواءٌ، فإنَّا احتطنا وأبقينا الزَّوجين على يقين النِّكاح حتَّى يأتي ما يزيله بيقينٍ، فإن أخطأنا


(١) د، ص، ب: «محله».
(٢) في الأصول عدا ن وط الهندية: «نعمة»، تصحيف.