للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا الذين فرَّقوا بين المدخول بها وغيرها، فلهم حجَّتان:

إحداهما: ما رواه أبو داود (١) بإسنادٍ صحيحٍ عن طاوسٍ، أنَّ رجلًا يقال له: أبو الصهباء كان كثير السُّؤال لابن عبَّاسٍ، قال (٢): أما علمتَ أنَّ الرَّجل كان إذا طلَّق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدةً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدرًا من إمارة عمر؟ [قال ابن عباس: بلى] (٣)، فلمَّا رأى عمر النَّاس قد تَتايعوا (٤) فيها، قال: أَجِيزوهنَّ عليهم.

الحجَّة الثَّانية: أنَّها تَبِينُ بقوله: أنت طالقٌ، فيُصادِفُها ذكرُ الثَّلاث وهي بائنٌ، فتلغو.

ورأى هؤلاء أنَّ ذِكْر إلزام عمر بالثَّلاث هو في حقِّ المدخول بها، وحديث أبي الصهباء في غير المدخول بها. قالوا: ففي هذا التَّفريق موافقةُ المنقول من الجانبين، وموافقةُ القياس. وقال بكلِّ قولٍ من هذه الأقوال جماعةٌ من أهل الفتوى، كما حكاه أبو محمَّد بن حزمٍ وغيره، ولكن عدم الوقوع جملةً هو مذهب الإماميَّة، وحكوه عن جماعةٍ من أهل البيت.


(١) برقم (٢١٩٩)، ومن طريقه البيهقي في «الكبرى»: (٧/ ٣٣٨) من طرق عن طاوس به، وأُعل باختلاط أبي النعمان محمد بن الفضل السدوسي، وقد خولف في سنده ومتنه، ولذا ضعفه الألباني في «الضعيفة» (١١٣٤). وأصله في مسلم (١٤٧٢) وغيره كما سبق؛ لكن دون قوله: «قبل أن يدخل بها»؛ فهي زيادة شاذة.
(٢) في المطبوع: «قال له» خلاف النسخ و «السنن».
(٣) زيادة من «السنن» ليستقيم السياق، فيكون ما بعدها من كلام ابن عباس.
(٤) د، ز: «تتابعوا». وكذا في بعض نسخ «السنن». ومعناها بالياء: المتابعة والتوارد على الوقوع في الشر من غير فكرٍ ولا روية. وانظر: «شرح النووي على صحيح مسلم» (١٠/ ٧٢).